_______بداية المقالة (مجرد حوار مرتجل) :
- خالد : قرأت بكتابٍ عن الإشكاليات الشرعية في السياسة العربية معلومة -لا أعرف كيف سيكون أثرها- ؛ قرأت بأننا كعرب نعيش في مرحلة اللادولة بالعموم.
- أحمد : أنا شخصياً أعتقد أيضاً بهذا, لأنني أرانا نعيش على اللاقانون ؛ قانوننا ببساطة لا يسري على الجميع, فالبعض يسكن بأعلى منه على أرضنا. وكقاعدة عامة : ليس بقانون ذاك الذي لا يسري على الجميع, يفقد شخصيته وهيبته, ويفقد احترامه بين الناس. لا أعتقد -شخصياً- بوجود قانون يضبطنا كمجتمعات عربية ؛ أرانا نعيش في عالم من الفضيلة أو الخوف, وبهما تتابع حياتنا ذاك “الأمن” الذي نتفاخر به.
- خالد : وضح قصدك بالعالَمَين.
- أحمد : عالم الفضيلة هو عالم لا يُخطئ أهله -قدر الإمكان- لأنهم يأبون ذلك على أنفسهم. أما في عالم الخوف, فلا يردع أهله إلا خوفهم, من السلطة, من الناس, ومن كل شيء.
- خالد : ولكن ألا يعيش جميع البشر بين هذين العالمين أصلاً ؟ أعني بأنه ليس بالأمر الذي يختص به العرب.
- أحمد : قد يكون, ولكنني شخصياً أنشد عالماً تمتزج فيه المسؤولية بالحب.
- خالد : فيم يختلف عن عالم الفضيلة ؟
- أحمد : الكثير.
- خالد : أنتظر منك مقالة بذلك ؟
- أحمد : بإذن الله.
_______ وها أنا يا صديقي أكتب, وأشرح فكرتي بشكل أكبر ..
بداية ؛ لنشرح بشكل أكبر هذه العوالم الثلاثة.
[1] عالم الخوف ؛ هو عالمٌ تتغذى فيه تصرفات سكانه وعاداتهم على الخوف بشكل كبير. قد يحارب أحدهم إبداعه الفطري خوفاً من الفشل أو الوحدة, وقد يسكت آخر عن كامل حقوقه خوفاً من المجهول المستقبلي, يترعرع فيه الطفل وتمتلئ مع أيامه الوصايا بالخوف, من الفقر, من الحاجة, من الاختلاف, ومن كل شيء تقريباً. ولهذا فهم أقرب للسرب أو القطيع منهم للمجتمع الإنساني .. عالم لا يعرف طموحاً, ولا يرى أحلامه إلا بأنها مستحيلات يهربون بها من عالمهم, عالمٌ يعيش ببساطة توصله للسذاجة.
[2] عالم الفضيلة ؛ هو عالم مثالي, لدرجة تنمحي منها الإنسانية. فلا تُقبل الأخطاء عن سكانه, يُعاقبون بشدة عليها, تنتشر فيه الكذبات مبرِّرات, وتتغير فيه الكثير من الحقائق لتبدو بمظهر أكثر مثالية (في أعين المغيِّرين طبعاً), يخط سكانه على أنفسهم الضياع, لهشاشة ما يستندون عليه من تاريخ, فالأمة التي لا تاريخ لها لا نصيب لها من المستقبل. (راجع تدوينتي السابقة : تشويه وتغيير .. أو تبرير سخيف) .. عالمٌ لا يقبل عن سكانه إنسانيتهم المخطئة, تمتلئ فيه التقسيمات والتفرقات والتي تنشر فيما بينها كثيراً من الكراهيات والأحقاد, تتشرب أيامه نظرات الازدراء والاحتقار, والنظرات الفوقية. وبطبيعة الحال ؛ تتصادم رؤى سكان العالم بالعالم الحقيقي, فلا تجد منهم كثير إنتاج لِما يخشون من خطأ.
[3] عالم الحب والمسؤولية ؛ هو عالم يتحرك شعبه أملاً طلباً لمستقبل أفضل, عالم يؤمن بالتغيير كوسيلة للرقي, وليست الأخطاء فيه عيباً يعيِّر أحدهم بها آخراً, يرونها جزءاً من طبيعتهم البشرية, ولا شيء يدعوا للخجل منها. عالم يتألم بشدة لما يرى من مآسٍ حوله, ويشعر بمسؤولية في تغيير ذلك للأفضل. عالمٌ يعطي الكثير لمن حوله حباً وكرامة, فيردون عليه بحبٍ وامتنان.
…
ولتوضيحٍ أكثر ؛ يتحرك العالم الأول (الخوف) تجنباً للسقوط, بينما يتحرك العالم الثاني (الفضيلة) طلباً للاستقلال, وفي العالم الثالث (الحب والمسؤولية) يتحرك الناس حباً في الأفضل, ونزولاً عند شعورهم بمسؤوليتهم في التغيير.
فهمنا للأخطاء وتعريفنا لها يشكلان منظومتنا الفكرية المحرِّكة لتصرفات أيامنا. وفي ظل مسيرتنا للأفضلية نحتاج لفكرة تتفهم طبيعتنا البشرية, وتشكل لنا -في الوقت ذاته- منبعاً لا ينضب لروحنا وحماستها.
—
الصديق “خالد الجابري” صاحب الحوار والمقالة @kbaljabri