صفحةٌ أولى

قياسي


أشكال مختلفة، زخرفات غريبة، ومعانٍ متباينة، والمُدان دائمًا هو الحبر.
لا تنال الورقات كلها هذا الشرف، شرف الألم .. والارتواء بريق القلم.
عبثية .. الشرف هنا عبثي، وكذلك هو الألم. فالألم لا يعني دائمًا الخلود، الخلود هو الآخر عبثي.
أمنية الورقات والصفحات الأولى هي الخلود، العبثي .. كل الورقات تسعى إلىه وترتجيه، ولا تدري أيُّها كيف الوصول إليه .. هي فقط الحيرة، والضياع، الاختيارات العشوائية، والوصول الذي لم يحققه أحد.
قالت ورقة مرة بأن الخلود يمنحه الكاتب، وعلى كفاءة كُتّابكم تنالون خلودكم. صاحت أخرى بأن لا خلود لكاتب بلا قارئ يفهمه. صاحت ورقة نصف محترقة بأن الخلود تمنحه زمالتك لأوراق أخرى على هيئة تشكيل تنظيمي يختبئ خلف جلدة قاسية. وصرحت أخيرة بأن الموضوع اختيارات سماوية، وأن الخلود دروشة وانضمام للكتب الدينية. وازداد الهرج والمرج، والكل يسكب كلماته ومعتقاداته أمام الآخرين، واشترك القائلين بأن كلهم يظن أن الخلود في طريقه.


صحفة أولى .. صفحة أولى .. صفحة الصفاء والبياض الكامل

أوقفة احترام هذه أم هي للحيرة ؟ أم أن الوقفة لم تُفصد وكانت هي الأخرى عبثية ؟
القلم الذي يتحرك في رقصاته، وحيرته وتردده كلما اتضحت ألاعيبه.
والخيط المفتت المنتظر لمن يكنسه ويجمع شتاته في كلمة .. وفكرة متماسكة.
تقول الأسطورة بأن الأقلام الشريفة تقف مطولًا عند كل ورقة، قبل أن تسرقها عذريتها، وبياضها الناصع الذي يمنّي كل الأقلام الأخرى بها. إلا أن البعض يعتقد بأن الأقلام كلها لا تعدو إلا فنانًا مشاغبًا لا يحترم خصوصية الآخرين.


الصفحة الأولى .. الصفحة الأولى .. والسير بلا فكرة، وبلا نية للبحث عنها أحيانًا.

أنا فكرتك .. تمعّن في عينيّ .. وفي عينيّ فقط.
ضمني إلى قلمك، وأبحر إلى صفحتك، أخاف أن تغويك فكرة غانية أخرى .. ما هذه الأرض بدار نهايات .. قبّلني، أغلق عينيك، واجعلني على صاريتك، وفوق بوصلتك، وكُن كل البحارة والسفينة .. إلى نهاية الورقة، حتى تتخلى عني بكل برود، وأبكيك بكل رضى.

الصفحة الأولى .. الصفحة الأولى .. وحلم الوصول الطفولي.

أحقيق هذا الوصول أم أنه هو الآخر وهم اعتقدنا به في حداثة أيامنا، أحقيقة تلك النهاية أم أنها هي الأخرى ماء السراب ؟
اسأل كل الورق الذي يحارب غزو السواد، مدافعًا عن بياضه على أسوار مدينته التي تتهاوى الأرض من تحتها .. لا تحكي أي ورقة كهذه قصة حقيقية .. ولا تتناقل الأوراق قصصًا لا يسوقها الأمل .. كذبة.

صفحة بيضاء .. مغرورة .. تمني نفسها بالوصول، الأولى التي بدأت متأخرة، كثيرًا. لم تفهم بأن طريقها معبَّد بالجثث، أو أنها تركب رماد غيرها، وأن الآخرين لا ينبتون من تحت النيران كأي أسطورة قديمة.
ورقات لم تفهم لماذا كان قتلها، صلبها، حرقها، أو تقطيع أطرافها. وتظن ورقة يافعة ومغرورة بأنها ستصل إلى النهاية .. وبأن وصولها كان مقدرًا، منتظرًا، وبأنها كانت تكنز للعالم خلاصه من آلامه .. لا تعرف حتى هي سببًا لاختيارها، أو كيف وصولها .. عبثية.