ذكرياتٌ حول الكرامة

قياسي

قرأت مرة عن ظالم سأل الإمام سفيان الثوري عن حكم جانبي في أفضلية الصلاة للرجل بالصف الأول، فأجابه الإمام : “انظر ما يدخل جوفك، ثم لا تبالي إن صليت بالصف الأخير“.

قادتني مخيلتي بهذه المقولة إلى كثير من المواقف والذكريات، والأحداث التي رأيتها مؤخراً بأيامي.

تذكرت بائعاً غشني يوماً ما، رغم اغتراري بانتشار الملصقات الدينية على جدران محله التجاري، رغم انتشار الآيات والأدعية والأحاديث النبوية. أذكرني لمحت مصحفاً ركنه البائع على طرف طاولته، فسألت المصحف عما يراه من أذىً للعامة، سألته عن لحظات الظلم الصعبة التي يشهدها، فأجابني بأنهم أناس لم يعرفوا كيف يقرؤوه.

تذكرت أباً لم يعنف ابنه الذي كان يضرب عاملاً أمام ناظريه ويكرر على مسامعه كثيراً من العبارات البذيئة، أذكر نظرة العامل التي تلوم الأب لأنه لم يكف عنه أذى ابنه ولم ينهه. تساءلت يومها إن كان لقن ابنه شيئاً عن الكرامة الإنسانية، أو إن أسمعه بأن “المسلم من سلم الناس من لسانه ويده” ؟

تذكرت حاكماً عربياً يتفاخر تارة بطاعته للمولى تبارك وتعالى، وتجده تارة يسلب الشعب حقوقهم في مشاهد دموية، أو يطلق عليهم أحكاماً تعسفية تسلبهم حريتهم بشيء من العشوائية.

تذكرت أماً باكية فقيدها، وطفلة تصرخ من مظلمتها، تذكرت الابن يبكي الحبيس أباه، تذكرت الشهقات، التنهيدات، والأرض التي تبللها الدموع.

تألمت لما أرى من تهميش وتسخيف لحقوق الناس عامة على أيد المربين، تألمت بشدة لما رأيت من تعظيم لهذه الحقوق إذا ما ارتبطت ببعض (المختارين) .. خصوصاً إذا ما انتسبت هذه الانتقائية إلى بعض من ينسبون أنفسهم لدينٍ أو لفضيلة.

تذكرت .. تذكرت جدتي توصيني ؛ لأن الله أكرمك من فوق سبع سماوات بمنزلتك، فلا تسمح لشخص بأن يجعلك دونها !

{ولقد كرمنا بني آدم …} [سورة الإسراء]

تلخيص كتاب “تاريخ الحضارة” ؛ علي شريعتي

قياسي

 

في البداية ؛ أحب أن أوضح بأن الكتاب كان عبارة عن جزءين مختلفين، سأخص الأول منهما بالتلخيص دون الآخر، فالأول كان عن الحضارة وعلمها، أما الآخر فكان عن بعض الحضارات، ولذا اترأيت بأن أكتب القانون العام دون الأمثلة. بالطبع لن أقوم بعرض كافة أفكار الكتاب الأول، فهذا ليس سوى تلخيص موجزاً لعرض الأفكار الأساسية فحسب.

  • تعريف : الحضارة هي عبارة عن مجموعة البناءات والعطاءات والذخائر المادية والمعنوية للمجتمع الإنساني ككل.

وبناء على هذا التقسيم، قام المؤلف بتقسيم الحضارة إلى :

[١] وجود مادي (المدنية).

[٢] وجود معنوي (الثقافة).

وبالعموم ؛ كل حضارة لا يمكن لها أن تقوم بغير هذين الوجودين، فلا يمكن لحضارة استمرارها بواحدة منهما أو بدونهما. ثم تطرق المؤلف إلى بعضٍ من العوامل التي قد تضيف شيئاً من المعانِ للماديات، وهي ؛ [١] عامل الزمن (التاريخ)، [٢] الانتساب للمادة، [٣] الاعتقاد والإيمان (الدين).

تحدث بعدها المؤلف عن العوامل الأساسية لبناء الحضارة وهي :

[١] القانون

[٢] العقود الاجتماعية

[٣] الحب والاحتياج (الدافع)

[٤] الدفاع والهجوم (التدافع)

يساند هذه الأربعة عوامل بعضاً من العوامل الأخرى، مثل ؛ العِرق، الجغرافيا، غريزة النوع الإنساني، والفكر والإبداع. وهذه العوامل المساندة لطبيعتها لا تقوم إلا بوجود أرضية صلبة يُعتمد عليها تتمثل بالعوامل الأربعة الأساسية بطبيعة الحال.

  • تعريف : الثقافة هي عبارة عن البناءات والذخائر المادية والاجتماعية والمعنوية لقومٍ أو عرقٍ أو أمة من الأمم.

ولمزيد من التوضيح عن الفارق الأساسي بين الثقافة والحضارة، ضرب المؤلف مثالاً الأخلاق ؛ فمنها ما هو مطلق في استحسانه كالصدق أو الشجاعة مثلاً، ومنها ما هو نسبي، يستحسنه قوم ويكرهه آخرين. كذلك هي العلوم ؛ فمنها ما هو إنساني التأثير، كالعلوم التطبيقية مثلاً، ومنها ما هو قومي في إضافته، كالأدب.

ثم كتب المؤلف بعد ذلك بعد ذلك بأن الدخول إلى الحضارة يكون من بوابته المعنوية أولاً، مع مراعاة المسايرة المادية طوال الطريق .. فكما ذكرنا سابقاً بأنهما قدمين للحضارة لا يمكن لها المتابعة بدونهما. فكتب المؤلف بأن “التحضر بنظري يكون ذهنياً أولاً وليس خارجياً، وبعبارة أخرى ؛ معنوياً أولاً وليس مادياً“.

ثم اختتم بقاعدة عامة قال فيها ؛ بأن الحضارة مرحلة فكرية ونفسية متعالية يجب أن يصل إليها المجتمع والإنسان.

كما أوصى المؤلف في صفحات كتابه بعدة كتب هي :

١. تاريخ الحضارة : ويل ديورانت.

٢. تاريخ العلم : جورج سارتر.

٣. تاريخ العلم : بير روسو.

٤. تاريخ أوروبا : يفيشر.

٥. تاريخ فلسفة الغرب : راسل.

٦. تاريخ المدارس الفلسفية : (لم يذكر مؤلفه).

٧. تاريخ المدارس الاقتصادية : ويكنز.

 

أنشودة رمزية [ شروط النهضة : مالك بن نبي ]

قياسي

  • فلما عصى آدم ربه وغوى أنزله الله إلى الأرض منبوذاً، ولم يكن ما يستر به جسده إلا بعض أوراق من الشجر، ولم يكن له من زاد إلا الندامة التي كانت تعتصر قلبه، وتنهش ضميره.
  • ولما وطئت قدماه الأرض سخرت الوحوش من ضعفه، وهزئت القوى الطبيعية من عريه وفقره، فأحس آدم بالجوع والبرد والخوف، ففر هارباً وأوى إلى غار مظلم.
  • لقد بدأ هناك يفكر في فقره ووحدته، في بيئة كل ما فيها يعاديه، وهو لا يعرف من أسرارها شيئاً.
  • نظر إلى السماء فرأى الطير يكتسحها، ونظر إلى البحر فرأى السمك يرتع فيه ويلعب، وتطلع إلى الأرض فإذا بالوحوش تصول في الغاب وتجول.
  • فغبط آدم هذه الحيوانات كلها، لما أوتيت من مأكل ومأوى، ولما أمنت من خوف، وازداد في قلبه الندم حتى ملك عليه نفسه.
  • هنالك رفع يديه إلى السماء يتضرع، فاستجابت له السماء قائلة : اذهب أيها الرجل، فإني أعطيتك عقلاً ويداً، وأعطيتك تراباً وزماناً.
  • اذهب فإن لك في الحياة أن تفعل ما يفعل الطير، فتحلق في الفضاء، وأن تغوص في اليم مثل الحوت فتعبر المسافات الطويلة في البحار.
  • حينئذ ارتد آدم إلى نفسه، وتفتحت مغاليق الحياة أمام عينيه. وإذا بشمسها تسطع على غاره المظلم، وتضيء له السبيل إلى مستقبله الساطع الخلاب.

الكل إنسان

قياسي

تحكي القصة عن أميرٍ لأحد البلاد خرج إليها يوماً يتفقدها, فاستوقفه فقيرٌ التصق جلده بعظامه لما يجد من الجوع وسوء التغذية, استوقفه منظر كبير السن ذاك بشعره الأشعث وملابسه المتمزقة البالية, استوقفه بسؤاله للناس وكلماته التي تأكله بجفافها. اقترب منه الأمير وسأله عن حاله وعمن يكون, فتبين له بالجواب بأنه عجوزٌ مهاجرٌ من أرض أخرى, جلبته الحاجة إلى هنا قديماً وتركته محتاجاً بعد عجزه عن اللحاق بها ! فأمر الأمير له بأعطية لا تنقطع بغير انقاطع الفقير عن حياته, وضمه لعجزه مع بقية العاجزين عن العمل من المواطنين.

 

يحكي المكان ذاته عن قصة أخرى شهدها بزمنٍ آخر, يحكي عن تحيز للإنسانية وتلوث مشاعرها, وتشكي تقاسم الشعوب لمعاني الكرامة والاحترام فيما بينهم, لتبكي على إنسانية شوهناها بحرمان المختلفين عنا منها.

 

كثيراً ما حكى وتكرر فيه وشهدنا بأنفسنا ذاك المشهد الذي يتعاطف في طفلٌ مع أحدهم, فيقف كبار السن حاجزاً بوجه مشاعره البريئة .. فقط بداعي الاختلاف, عرقيٌّ كان أو دينيٌّ أو بأي شكل آخر.

 

تأملت الإنسانية وهي تصرخ فينا بعدم اعترافها بتصنيفاتنا التي تفرقنا, تأملت دموعها التي تشكي تضييقنا لها بحبسها فيما بيننا, تأملت أعينها التي ترجونا لنعود صغاراً بقلوبنا, لنبقى إنساً بمشاعرنا, لا نعرف معنىً للفرقة أو الكراهية التي زُرِعت فينا ورضينا تراكمها.

 

لا تعترف الرحمة بجنسياتنا المدنية, لا تفهم الكرامة تفرقاتنا المذهبية, لا يعي الصدق أكاذيبنا, ولا تقبل بقية الأخلاق تضييقاتنا لها وحصرها على فئات معينة .. بل تكرر على مسامعنا بأن الكل إنسان مالم ينسلخ بإرادته من إنسانيته.

 

(تدوينة قديمة)