اختلاف للألوان والمسميات

قياسي

كان الاحتشاد الصحفي المتمركز على باب المبنى العتيق لا يبرر بغير انتظار الجميع لخروج شخصية ما يبدو عليها بأنها مهمة, وازداد يقين الكل بذلك السبب فور امتلاء السماء بالومضات المتتابعة, وتزاحم الأسئلة منهالة على صاحب تلك الشخصية المهمة, والذي بدا بدوره متجاهلاً لجميع الأسئلة حتى اللحظة التي قاطع فيها وقوفه المفاجئ لخطواته المتسارعة, ولم يغب عن ذهن العدسات وقتها التقاطاتها لملامح الغضب التي ارتسمت على وجهه بتتابع بطيء.

شيء من الهدوء كسره إعصار من الغضب وجهه الأخير لأحد الأسئلة داعياً إياها للاتسام بشيء من البناء ..

شخصياً ؛ كثيراً ما سمعت عن تقسيمات متشابهة بالعموم لعمليات الانتقاد, ويتمحور غالبها حول تقسيمٍ للانتقادات إلى بنـّاءة وهدّامة, بتوضيح أن الأولى تقصد الوصول لجهة أفضل من الواقع, بينما تتجه الأخرى لاتجاه مغاير.

ومن وجهة نظري الشخصية ؛ لا أرى تبايناً للألوان في عالم الانتقادات, ومهما اختلفت المسميات فأنا أراها متحدة في صبغتها !

لا تتقسم الانتقادات في رأيي, ولسبب بسيط ووحيد تقريباً ؛ هو أن البناء المرتبط بذلك الانتقاد الموجه والاستفادة منه أو عدمها غير مرتبط بشكل أو بآخر بذات الانتقاد, بل في طريقة تقبله, وللقيم والمعاني المضافات إلى ذلك الانتقاد.

كثيراً ما استمعنا للنصائح الداعية لعدم الاكتراث للانتقادات, أو لاستخدام أسلوب الأذن الصماء أو غيرها من الأساليب المشابهة مع بعض الانتقادات الأخرى, ولكن بشكل شخصي ؛ أرى بأن نستمع وباستمرار لكل الانتقادات, وبأن نخضعها لمعرفتنا الشخصية بذواتنا ولتقديراتنا للأمور وللظروف من حولنا .. ونحن من نقرر هنا صحة الانتقاد من عدمه, وهنا نحن من نقرر تقبل الأمور ببناء عن هدم أو باستخدام أسلوب مغاير.

عالم زيز

قياسي
كتب هذه المقالة الصديق عبدالعزيز عثمان @AzeezOth

طفل جاوز السادسة، ذهب إلى أمه العطوف مستشيراً إياها في اسم "مجلة" يريد إنشاءها..
***
هكذا كانت البداية، طفل عاشق للكتابة، وعشق عوالم الخيال، حيث لا حدود، وحيث يرسم مثالياته كما يشاء.
صاحب ذاك، عشق غير طبيعي لمجلات الأطفال، جاوز عشقه ذاك كل حد، حتى لكأنه يصح أن يطلق عليه "إدمان".
ذات مرّة سأل أستاذه عمّا إذا كانت "الجنّة" بها صحف أو مجلات! وهزئ به أحد زملاؤه: "ماذا تريد أن تقرأ؟ خبر وفاة أحدهم؟" لم يكترث له، لم يحاول أن يشرح له، كان يحب مجلاته، ويعتقد أنها من أمتع متع الدنيا...
***
وكلما كانت السنون تتقدم به، كان يغمره ألم يزداد شيئاً فشيئاً، ألم على واقع "صناعة الترفيه" للأطفال في هذه البقعة من الكوكب.
كم هي هويتنا جميلة، كم هي قيمنا رائعة، كم هو "نموذجنا للحياة المثالية" صالح وناصع ومشرق ووضّاء!
 رغم كل ذاك، يغيب هذا النموذج، وتغيب تلك الهويّة عن الصناعة الاحترافية لترفيه الأطفال. كان الواقع يقول أحد أمرين: إما إنتاجات مستوردة، لا تجسد هويتنا بطبيعة الحال، وإمّا إنتاجات محليّة محدودة، خلفها –في كثير من الأحيان- مبدعون أكفاء، غير أن الواقع والظروف جعلت إنتاجهم محدوداً أو أنه لا يرقى إلى ملئ دنيا الطفل وشغل خياله فعلاً.
وبين هؤلاء فريق ثالث، آمن بالقيم، وغار على الهويّة، فقدم ترفيهاً بدون ترفيه، في عمل أقرب ما يكون إلى "المحاضرة" منه إلى الترفيه، في تجاهل واضح للفرق بين دور "المدرسة" و"المربي"، ودور "وسائل الترفيه".
وبعد ذلك يحق لنا أن نتساءل عن إنتاجنا الترفيهي الموجه للأطفال، الذي نستطيع تقديمه إلى أطفال العالم –دون خجل- بعد أطفالنا لنقول لهم: نحن هنا، ونحن هؤلاء، لسنا بالذي تتصورون!
***
كلما مرّت به الأيام كان يرى الواقع يشتد ألماً، في ذات الوقت الذي يزداد فيه عشقاً لدفاتره، ومحاولة لصناعة عوالمه التي يعشق.
ومنذ ما يقرب من العامين، بدأ يرتب أفكاره، ويشذب آماله وآلامه ليخرج بسؤاله الكبير: ألا نستطيع أن نقدم ترفيهاً حقيقياً يتسم بالإبداع والإدهاش ويتواءم مع هويتنا؟ ألا نستطيع أن نقدم المغامرة والإثارة والضحك التي تشكل فيها القيم أسلوب حياة بدون تقديمها بشكل جامد ممل؟ ألا نستطيع أن ندع أطفالنا يستمتعون فعلاً بدون "مراقبة" أو"تقطيع"؟
***
وهكذا بدأت الأفكار تتجمع، والآمال تتولد، والأفعال والأقوال ترافقان بعضها البعض.
بدأ تصميم العالم، واختار له اسم "زيز" حتى يكون خفيفاً على كل لسان، قريباً من الوجدان.
 وهكذا تجمع –في رحلة طويلة- أبطال ذاك العالم، حيث ثمانية من الرائعين يصحبهم 28 شخصية مساندة تم تصميهما على يد نخبة من فناني رسوم الأطفال.
 وهكذا نوى –والله المستعان- أن يقدم هؤلاء الأبطال من خلال مجموعة من الوسائل الترفيهية المختلفة، وكانت البداية في التركيز على الكتب وإنتاجات الإنترنت.
وهكذا منّ الله عليه خلال الأيام القليلة الماضية بصدور كتابه الأول، كتاب أبطال "زيز" الأوّل، الكتاب الأوّل من سلسلة "مدينة الأحلام"، والذي حمل عنوان "لصوص الغابة" ووصل بفضل الله أماكن بيع المجلات بدول الخليج.
***

وهنا بداية القصة فحسب -إن شاء الله-... بداية رحلة من الترفيه الحقيقي المتواءم مع هويتنا... بداية "زيز" .. جمال الخيال!
انضمّوا لـ"زيز" على الفيسبوك http://www.facebook.com/zeezworld
وتويتر https://twitter.com/#!/ZeeZ_World

جانب من الإعلام الذي أنشده

قياسي

قرأت بإحدى فترات حياتي مجموعة من كتب علم النفس الإنسانية، وأستطيع القول بأن غالبيتها اتفقت على حقيقة واحدة ؛ هي أن الإنسان مزيج أفكار وذكريات، وبأن تلك الأفكار تترتب بشكل أو بآخر على نوعية الذكريات التي عشناها، فكل تلك الذكريات وبكل أشكالها تترك بدواخلنا آثاراً قد لا نلاحظ انعكاساتها فينا ولا ترجمتها في أفعالنا، إلا أنها تترك فينا قناعات وردات فعل تفسر معظم عاداتنا اليومية.

خلاصة القول ؛ بأن كل كل معلومة تتلقاها في حياتك، سواء أكانت ملفتة للنظر لحظتها أو لم تكن، فهي تنطبع تلقائياً في بواطن ذهنك، وستكون بعد ذلك طريقتك العقلية ومنظومة تفكيرك التي توجه حياتك إلى المصير الذي تنشده وترسمه هي بعد ذلك*.

مثلاً ؛ في أحد الرسوم المتحركة الشهيرة، تدور القصة عن طفلة صغيرة تمتلك حلماً بحياتها، فتعصي أمر والدتها بأحد الأيام لتخرج مع أحد الشبان، ليتحقق بعد ذلك حلم حياتها وترسم لنفسها لحظاتها السعيدة اللائقة لأن تكون نهاية للقصة. لا أعتقد – صراحة – بأن الشركة المنتجة قصدت إرسال رسالة يكون بمضمونها أن عصيان الوالدين هو بداية السعادة، إلا أنني شبه متأكد بأن أثراً كهذا طُبع في كل طفل شاهد هذه الرسوم، بأن نضجهم وبداية حياتهم السعيدة ستكون لحظة عصيان الوالدين، كما طُبع في نفوسهم مبدأ الحرية، وشناعة الاستبداد، والإصرار على تحقيق الأهداف في المقابل !!

شخصياً ؛ لا أؤمن بأن منع الأطفال من مشاهدة مثل هذه البرامج سيكون الحل الأمثل للسيطرة على هذه المشكلة، “فالمنع أسلوب المهزومين والضعفاء” كما اعتاد صديقي (مشاري الغامدي) أن يخبرني، فالمنع عن فعل ما قد يعطي نتائجاً إيجابية لفترة، إلا أن الخروج عن تلك النتائج لن يلبث أن يصبح ظاهرة تنتشر سريعاً بعد فترة، لأنه ذاك المنع سيكون نوعاً من الوصاية ومن الاستبداد (وإن حركته غاية نبيلة)، ولأنه باعتقادي أن الإنسان بطبعه دائماً ما يشتاق للحرية ولمساحة أكبر منها.

يكمن الحل وببساطة في إنتاجنا لشبكة إعلامية قوية تستهدف زرع نبيل الأفكار في أطفالنا، مع تفادي الآثار الجانبية التي قد تحدث عن ذلك، “فالإعلام هو الوسيلة أو التقنية المستخدمة لنقل المعلومات” كما تم تعريفها مرة. أريد إعلاماً قوياً رائعاً، تكون روعته وتسليته هما ما يجذبان الأطفال إليه، أريد إعلاماً يتهافت عليه الأطفال بأنفسهم. أريد إعلاماً يقيّم نفسه من فترة لأخرى، يُدرس في مؤسسته تقدمها وتأخرها في تأثيره وانتشاره بين العامة. أريد إعلاماً مؤسسياً، يتقن اختياره للأفكار التي يطرحها، وللحوارات والنقاشات المتضمنة في أطروحاتها، فيصبغها بأسلوبه البسيط والعميق ليحرك به عقولنا نحو هدفنا المنشود .. أريد إعلاماً يتشرب مقولة (زيج زيجلر) “بأن مهمتنا في الحياة ليست أن نسبق غيرنا، بل أن نسبق أنفسنا”، أريده نجماً في مجاله يسمو باستمرارية وباحترافية نحو الكمال.


(*) :  كتاب “اهتم بذاتك” للدكتور فيليب ماكجرو، يرسم صورة جيدة عن هذه الأمور.

الشر المطلق كاختيار

قياسي

 

 

سمعت صغيراً بأن تسمية “الإنسان” بهذا الاسم كانت عن طبيعته الآنسة بمن حوله، وعن صعوبة حياته وحيداً. وشخصياً ؛ لا أعرف سبب هذه التسمية ولم يشدني البحث فيها، لا أعرف إن كانت لطبيعته الآنسة بغيره أو لسبب آخر كعادة النسيان فيه كما يقول البعض الآخر، إلا أنني متأكد تماماً من صعوبة الحياة وحيداً لفترة طويلة.

بداية ؛ أنا أؤمن بحاجة الإنسان لخلوة يقضيها من فترة لأخرى بعيداً عمن حوله، فذاك يعيد للروح نقاوتها، ويبدد عن سمائنا سحب همومها، ويعيد ترتيب الأفكار فينا، فيرجعنا إلى يومنا بذهن أصفيً وبأفكار أشد وضوحاً. إلا أنني أتعجب ممن يختار الوحدة كأسلوب حياة يعيشها، فيبعد عن سمائه كل من يقف تحتها، ولا يرسم أحدهم في حياته ولا يضع غيره أولوية لأيامه .. أتعجب ممن يختار الوحدة باختياره للأنانية كصفة يعيشها !

قرأت مرة للمفكر (علي شريعتي) كلمات قال فيهن : “الشر المطلق هو أن يقدم الإنسان مصلحته ومنفعته الشخصية على المنفعة العامة ومصلحة الآخرين”*. وشخصياً ؛ أؤمن بصوابية كبيرة في كلماته هذه، وأضيف عليها نكهة أخرى بتعريفي للأنا وللآخرين ؛ بأنني لا أحصر كلما (الأنا) في ذات الإنسان وحدها، وإنما أجعلها جامعة لكل ما يميل إليه الإنسان ويشعر ناحيته بانتماء يشده، سواءً أكان أرضاً أو دم أو قبيلة، أو حتى مدرسة فكرية أو مؤسسة عقدية ..إلخ

لا أرى عيباً في الانتماءات بمختلف أشكالها، بل إنني أعدها حاجة إنسانية، ومن حق كل إنسان اختياره لوقع أيامه وتفاصيل سيرها، ويحق له تحديد انتماءاته وأشكال حياته، ولكن لا تضيق إنسانيتك لتحشرها في تلك الدائرة التي تختارها، لا تلون أخلاقك ومبادئك من داخل الدائرة لخارجها، ولا ترسم لدائرتك حدوداً غليظة تغض بها عينيك عمن حولها.

أكره ما تنتجه العصبيات من عمىً عمن يرسم دوائره خارج دوائرنا، أكره ما تجعله فينا من تجاهل لأرواح الآخرين وتغابٍ عن مشاعرهم، وأكره تلك النظرة التي لا تفرغ الآخرين عن معانيهم وقصصهم التي لا نعرفها.

اجعل لنفسك دائرةً لطيفة المعشر، ارسمها بمختلف الأوان، اجعل لها حدوداً أنيقة تتفاخر بها، وانظر لدوائر الآخرين علك تضيف إلى دائرتك شيئاً من غيرها، “فنحن لا نعرف الحق بالرجال، وإنما نعرف الحق فنعرف له رجالاً” كما يقول الدكتور (يوسف القرضاوي) .. عامل كل الناس بما تفتضي إنسانيتك، عامل كل الناس بكل معاني الإنسانية.

(*) كتاب “النباهة والاستحمار”