أكثر من مجرد أرقام

قياسي

دخل اللص إلى المتجر شاهراً سلاحه, مهدداً الجميع مختبئاً خلف قناعه ..

ننتقل إلى اللحظة التي استقرت فيها رصاصة في جمجمة أحد الشبان هناك, ودمعات الطفل الذي يهز الجثة آملاً بالمستحيل, صوته المشبع بالبكاء منادياً : أرجوك, أخي !

كان الخوف منتشراً في كل جسدها وهي تختبئ أسفل النافذة, شعرت بجسدها الذي وهن حتى أحست بقوة نبضات قلبها, أغمضت عينيها بقوة وأخفت رأسها بحِجر والدتها التي بدورها ظلت تربت على رأسها بحنية, متمتمة ببعض الكلمات المطمئِنة ..

كل شيء كان سريعاً في حدوثه بعد ذلك ؛ الجندي الذي كسر الباب بقدمه, زميلاه الذان عاثا في البيت بلا مبالاة, الكلمات العبرية غير المفهومة, يد الأم التي تدلت بضعف فجأة .. توقف كل شيء في عينيها في هذه اللحظة, لم يتحرك في الكون غير الدمعة المتساقطة, ورأسها الذي تحرك بعفوية رافضاً الاقتناع بالمشهد الأخير  !

من حسن الحظ بأن المشاعر لا يمكن كتابتها أو وصفها بأي شكل آخر, مشاعر الكره للرجل المسرف هناك, أو مشاعر الخوف من المستقبل, أو الحزن على فراقه لأبيه .. أبوه الذي كان يظنه الأقوى في الأرض, الرجل صاحب الجثة المتيبسة هناك منذ أيام, صاحب البشرة الداكنة الذي قضت عليه أحد مجاعات إفريقيا القاتلة !

كل الجرائم الإنسانية في العالم ليست مجرد أرقام كما نتداولها, كل رقم منها يخفي خلفه الكثير في نظر أحدهم على الأقل ؛ خلف كل رقم دمعة طفل, وانهيار أم, والكثير من المشاعر الزرقاء. وراء كل رقم هناك الكثير من الآلام والمعاني .. أرجو ألا نفرغه منها ..!

مقالة قديمة كتبتها بتاريخ 27 شعبان 1432هـ

في أنفسنا وبين أيدينا

قياسي

مجرد الألون كانت سبباً مقنعاً لأن تحب أحدهم أو تكرهه, في زمن خطت فيه العنصرية أغلب كلماتها !

على شارعٍ فرعي في مدينة ما هناك في البلاد البعيدة يرتفع مبنىً كئيب بعض الشيء, يُطلق عليه غالباً مسمى المدرسة. وللأسف الشديد؛ كانت الأحقاد تسيّر كل شاب فيها, وكان الانتقام روحٌ للتجمعات الطلابية حينها .. كان صعباً جداً على الجميع تقبل بعضهم, خصوصاً بأن ذلك يبتغي تجاهل الكثير من آلام الماضي وتشويهاته.

نظرة إلى بعض التفاصيل الدقيقة بين طلاب فصلٍ دراسيٍ تعتبر كافية لتوضيح الكثير من الاختلافات التي تقسّم طلابنا إلى عدة عصابات شرسة, تفرّق بينهم الكثير من الأحقاد والكراهيات المتراكمة بمرور الوقت.

ووسط سواد القصة وتعتيماتها, نور بعيد يستحق الذكر. لمحة أمل في القصة تستحق الاهتمام, كفيلة بأن ننتظر منها الكثير ؛ عدم الرضا بالواقع وغباءاته كانا قلباً لكل أفعال تلك المدرّسة الجديدة والتي رفضت تقبل انفصال الألوان عن بعضها البعض, فلا بد من بعض الاختلاف لتكوين الجمال هناك على اللوحة.

كانت خطوتها الأولى مختصرة في تركيز الرؤية على التشابهات واعتبارها أساساً في علاقاتنا التي تجمعنا !

وأعتقد شخصياً بأننا في مجتمعنا بحاجة إلى تلك النظرة العامة على بعضنا, بحاجة لأن نعيش في مساحة تظهر لنا تشابهاتنا, ورؤية بعيدة لا تدرك الخطوط التي تفصلناأعتقد بأننا بحاجة إلى تفهم الاختلافات في أيامنا؛ بأن الاختلافات غالباً ما تكوّن للحياة توازنها, وترسم على تفاصيلها زونقة وجمالاً. بحاجة إلى أن نتفكر في الجمال الذي ترسمه اختلاف أصابعنا عن بعضها, وإلى التوازن الذي بدأ بتراكم الوظائف المختلفة لأعضاء جسمنا البشري. بحاجة إلى أن نرسم جمالاً بين اختلاف البشري عن صاحبه وجاره وكل علاقاته, لنزين بذلك مجتمعنا بروعة نتعلمها من اختلافنا في أنفسنا وبين أيدينا ..!

القصة مقتبسة من واقعة حقيقية، تم تمثيلها في فيلم FREEDOM WRITERS

 

 

 

مقالة قديمة كتبتها بتاريخ 22 شوال 1432هـ

متجر عربي

قياسي

 

لا أحسبه مستغرباً على أي مواطن عربي يحيى ببلد عربي, أحسبنا اعتدنا على الخروج من محلاتنا التجارية مصاحبين شعوراً بشيء من الذلة عن سوء معاملة تلقيناها لتونا, واعتدنا على طريقة التعامل التي تشعرنا باحتياجنا الكبير لعارض أي بضاعة .. وبدا من الغريب والمستهجن في أعين العامة مطالبة أحدهم بشيء من حقوقه أو لقليل من التقدير والاحترام.

بشكل عام ؛ أتلمس حاجة ماسة فينا لإعادة تعريف الكثير من المفاهيم المنتشرة من حولنا, قد يكون أحدها هو حقيقة كون إعجاب الزبائن هو ما يصنع للتاجر مكسبه وقصة نجاحه, وبذلك تكون حاجتنه إلينا كزبائن تشكل مساحة أكبر من المساحة التي نبادله إياها.

شخصياً ؛ أنا من المؤمنين بالقانون التسويقي القاضي بأن أعظم أساليب التسويق هو كلام العامة لبعضهم وأقاويلهم, وحري بكل تاجر أن يدرك بأنه المسؤول عن أي تصرف يكون تحت ظل منظومته التجارية, وبأن العامل المخطئ ضمن المنظومة سيبدو مجرد عامل تحت لافتة المتجر, بعيداً كل البعد عن مسؤوليته الشخصية عن تصرفاته.

أعترف بداية بتباين المتاجر في تظري معتمداً في تفضيلي على سهولة اتصالي كزبون بإدارة المتجر, إن استشففت تجاوباً مع كلماتي طبعاً.

وأعترف نهاية بأني لا أحصر مقاصد حروفي هنا بالمحلات التجارية, سأترك تراكيب الكلمات مائعة لتغوص بينها كل جهة تقصد التعامل مع الشعب أو مع فئة معينة منه.

مقالة قديمة كتبتها بتاريخ 24 ذو القعدة 1432هـ

خاطرة مبعثرة (٠١) – أريد أن أقرأ

قياسي

قال (ميخائيل نعيمة) يوماً : “عندما تصبح المكتبة ضرورة كالطاولة والسرير والكرسي والمطبخ, عندئذ فقط يمكن القول بأننا أصبحنا قوماً متحضرين”.

في أحد أيامي الجامعية, طلب مني أحدهم مرة بأن أقنعه بالقراءة ليقرأ, قد يبدو طلباً غريباً يطلبه بأن أشغل عقله بالقراءة لتدخل لحياته كعادة جديدة, وأتوقع بأنه تفاجأ بإجابتي التي كانت خلاف ما يبغي, فقد أخبرته بأن القراءة ليست ضرورة إذا لم يملك سبباً يقرأ لأجله.

في نظري ؛ حقيقة السؤال لكل قارئ لم تعد عن “ماذا” بقدر ما هي “لماذا”. وشخصياً لا أشترط لكل مثقف بأن يكون قارئاً نهماً يلتهم ببصره ما سقط في يديه من كتب, لا يتوقف عن قراءتها حتى تخور قواه فيسقط بجوارها متعباً, وبالرغم من أنني أحب القراءة وبأنني أعتبرها أكثر وسائل التعليم ملاءمة لي, ولكني أقول بأن القراءة ليست كل شيء.

أستطيع القول وعن تجربة شخصية بأنني توقفت عن القراءة لفترة تفوق العام, جلست فيها إلى كثير من الأساتذة الفضلاء, وتعلمت منهم الكثير جداً, حتى أنني آمنت بأن مجالستهم أفضل وسيلة تعليم على الإطلاق.

ما أشترطه حقيقة على المثقفين ليس بكثير ؛ أشترط بداية على كل إنسان يرجو التعلم بأن يصرح بعدم علمه بما لا يعرف, فلا أقبح في نظري من معلومة كاذبة أو غير موثوقة يحركهما سبب في مظهر لائق يرجوه صاحبه !

وأشترط أيضاً على كل مثقف بألا يتجاهل أسئلته التي تدور بخلده, فليس يصنع المثقفين غير الأسئلة التي تشغلهم, و الطرق الجديدة التي يبغون الوصول إليها ابتغاء حياة أفضل, فترى أسئلتهم تلتمهم ليل نهار, فيبحثون عن دليل لطريقهم في صفحات الكتب وعقول المفكرين, وكل ما يرجونه هو بداية الطريق إلى حقيقتهم المنشودة.

ابحث عن إجاباتك أينما التمست لها طريقاً, ابحث عنها بكل ما أوتيت من حيلة وقوة, وافهم كلماتٍ حفظتها عن (الإمام يوسف القرضاوي) يوماً, يقول فيها : “نحن لا نعرف الحق بالرجال, وإنما نعرف الحق ونعرف طريقه فنعرف له رجالاً بعد ذلك“.

ختاما ؛ قال (أ. صالح الطريقي) مرة : “أكبر إهانة يوجهها الإنسان لنفسه, إذ يصدق بأنه لا يستطيع التفكير, فيتنازل عن عقله لمصلحة آخر, فهو هنا أعلن بأنه أقل من أن يكون إنساناً”.


الصديق عبدالرحيم بخاري : @raheem_22