وقف على تلك المنصة المزينة بصوره الشخصية، مكتوب عليها اسمه بخطوط عريضة. نظر إلى الجمع الذي أحدثه خبر إلقائه خطابًا لليوم، لم يبد مستغربًا تلك الحشود التي جمعتها كلماته الرنانة وخطبه الصداحة. سمع أحدهم يحادث زميله بأن جارتهم ذبحت ابنًا لها البارحة لما رأت منه من معارضة لزعيمهم هذا، فابتسم بدوره ابتسامة تتشبع زهوًا وغرورًا، والتفت إلى صديق له يقف خلفه قائلاً : “أنا صانع هذه الازدحامات، كلهم أولاء جمعتهم كلماتي. أنا صانع الشعب وصانع حياتهم، أنا فكرتهم وتفكيرهم، أنا مستقبلهم ومصيرهم”.
قد تبدو هذه الكلمات مثيرة للاشمئزاز عند قراءتها، إلا أن قائلها هذا يمثل للبعض -إلى الآن- قدوة بشكل أو بآخر، ولا يزال الكثير يعتبرونه رمزًا في القيادة والخطابة. وبعيدًا عن أهداف (أدولف هتلر) الحمقاء في نظري، يسرني إخباركم بأنني أيضًا غير مقتنع به كقائد حتى .. ليست هذه القيادة التي أعرف.
في نظري ؛ القائد الحقيقي لا يعطي شعبه فكرة ولا يقنعهم بتصوراته وقناعاته الشخصية، مستخدمًا موهبته الخطابية، ومهاراته في الإقناع. فهو ينطلق من منطلقاتهم واعتقاداتهم، ولا يحتاج أصلاً إلى استخدام مهاراته في الإقناع عليهم. القائد لا يبحث عن الأضواء، ولا يترقب الفلاشات ولا ينتظرها، ولا يضع نفسه في واجهة كل الأعمال والحركات، فكل ما عليه هو أن يدع شعبه ويدعوهم إلى سكب كل ما بجعبتهم من مهارات وأفكار لتزهر طرقات المدينة.
وشخصيًا ؛ أعتقد بأن (المهاتيما غاندي) أكثر قيادية من (أدولف هتلر)، وأحب دعم تفضيلي بمقولة المهاتيما : “لم أحرص على تعلم الشطرنج ولم أحب ذلك، لأنني لم أفهم كيف يموت الجنود والجيش بأجمع في سبيل حياة الملك”.
من الخطأ أن تكون هناك فجوة بين الشعب والسلطة، أو أن تكون السلطة موجهة للشعب.