الكل يتآمر علينا

قياسي

سألت مرة متهكمًا ؛ “هل فعلاً نستحق هذا التآمر من الجميع علينا ؟”

وأعتقد بأنه بدا واضحًا في سؤالي ضمنية قناعتي بصبيانية نظرية المؤامرة، بل وإيماني بانعدام تأثيرها على أيامنا.

يقول القائد النازي الشهير (أدولف هتلر) : “إذا ما أردت توحيد صفوف شعبك خلفك، فأوهمهم بأن هناك عدوًا يتصيدهم، وأخبرهم بأنك ستقاتل إلى جانبهم”، ويكفي القول بأن كلماته أضحت أسلوبًا لاكتساب الشعبية ومساندة الأغلبية، تكملها مقولته الأخرى : “اكذب كذبة كبيرة، واجعلها بسيطة، وداوم على ترديدها، وسيصدقها الناس في نهاية المطاف”.

وبالفعل ؛ فكل من يبغي لفكرته ترويجًا يعمد إلى هذا الأسلوب ؛ تخويف الإسلاميين من العري والنتائج البشعة التي يعد بها الليبراليين، أو ترديد الليبراليين للقمع المتوقع وللاستبداد الديني الذي يُقرأ في خطوات الإسلاميين، يتبع ذلك استشهاد كل طرف بأقوال المتشددين في الطرف الآخر لدعم رأيه. وعلى الصعيد العالمي نلحظ التخويف المستمر الذي تبنته الولايات الأمريكية المتحدة من الاتحاد السوفيتي سابقًا، ومن الحركات الإرهابية في الوقت الحالي .. الكل في النهاية يريد أن يشرعن وسيلته وغايته، أو أن يخفف التركيز على أخطائه وتعدياته بالتركيز على أخطاءٍ كبيرةٍ لأطراف أخرى، ناشرًا بذلك نظرية المؤامرة، مغذيًا إياها.

تذكروا بأن “الطريق إلى جهنم محفوف بالنوايا الحسنة”.

في النهاية ؛ كل من يقف على مسرح الحياة معرض للخطأ، ولاستخدام مثل هذه الوسائل والأساليب ؛ الدولة التي تخوف سكانها من الدولة الأخرى، التنظيمات، الأفكار، الأحزاب، الرموز .. والقائمة تطول !

أحيانًا أفكر فيما لو خفيت عني مؤامرات الغير، فهل سيكون ضرر اخفائها أكبر أم إعلانها وتأهبنا لما لم يحدث بعد ؟ أحيانًا أعتقد بأن غرقنا في تفاصيل الغد حرمتنا من معايشة اليوم ومتعتها، بل وإنه يقنعنا خفية بأن ننتظر المستقبل الذي يصنعه بنا غيرنا، وحرمنا ذلك صناعة مستقبلنا بأنفسنا. حتى الأفكار الراقية التي عرفناها فقدت معانيها، بل ويخيل إلي أحيانًا أننا معرفتنا بغيرنا صارت أقوى من معرفتنا أنفسنا، صرنا نتعرف أخطاء غيرنا أكثر مما نعرف مكامن قوتنا .. فضلاً عن التشنج الدائم لانتظارنا المصائب، وعن العقلية القتالية التي اكتسبناها.

ونتيجة للعرض المستمر للأشكال المتطرفة من عالمنا، فقدنا قيمتنا باختلافنا عن بعضنا، أصبح الجميع يريد أن يكون الجميع نسخًا عن بعضهم، وقد يقبل بعض الاختلافات الطفيفة أحيانًا بداعي التحضر.

أحيانًا أعتقد بأنه لا يتآمر علينا غيرنا ..!

تقبلوا عمن حولكم اختلافاتهم عنكم، مهما كانت جوهرية أو طفيفة، واتركوا دعاة الكراهية والمؤامرة يغرقون وحدهم في بحرٍ وهميٍ هم حفروه .. وركزوا على طريقكم في مبادئكم، وعلى طريقتكم في حياتكم !

رأيان حول “الكل يتآمر علينا

  1. aziz

    تذكرت بعد قراءة هذه التدونية التي أتفق مع آغلب ما جاء فيها، إقتباسة من كتاب “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين”.

    يقول الأستاذ “جود” الإنجليزي رئيس قسم الفلسفة وعلم النفس في إحدى كليات لندن:
    “إن العواطف التي هي مشتركة والتي يمكن إثارتها بسهولة هي عواطف المقت والخوف التي تحرك جماعات كبيرة من الدهماء، بدل الرحمة والجود والكرم والحب، فالذين يريدون أن يحكموا على الشعب لغاية ما لا ينجحون حتى يلتمسوا له ما يكرهه، ويوجدوا له ما يخافه، وإذا أردت أن أوحد الشعوب ينبغي لي أن أخترع لهم عدواً على كوكب آخر -على القمر مثلاً- تخافه هذه الشعوب، فلم يعد من دواعي العجب أن الحكومات القومية في هذا العصر في معاملتها لجيرانها إنما تقاد بعواطف المقت والخوف فعلى تلك العواطف يعيش من يحكمونها، وعلى تلك العواطف يقوى الإنماء القومي”

    تحياتي لك 🙂

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *