الألم بطريقة أخرى

قياسي

تقول الأسطورة ؛ بأنه في زمن بعيد جدًا، قام الناس بالإجماع على المتناقضات والأضداد ؛ الكبير ضد الصغير، الكثير ضد القليل، العلم ضد الجهل، وتم تقسيمها لتكون خيرًا وشرًا، فكان الألم لذلك مقياسًا، فالشر هو ما يمتلئ ألمًا، والخير ما تنعدم فيه الآلام.

شخصيًا ؛ لا أعتقد بأن ذلك صحيح تمامًا، ولا أعتقد بأن الآلام سيئة بهذه الصورة التي ندعيها، فالألم في نظري مؤشر بأن هناك شيء لا يجري على ما يرام. كتبت مرة بأن “الألم هو المحرك الأعظم للبشرية”، ولم يوافقني الأغلبية، الأكثر لطفًا منهم اعتبروا أن لكل محركه الأعظم. لكني أعتقد بأن المحرك هو الألم، وما يختلف من شخص لآخر هو الشعور بالألم. فرجل الدين مثلًا يعتقد بأن ابتعاد الناس عن سمائهم هو أسوأ الآلام في حياته، ويعتقد المثقف بأن الألم سببه الجهل، والأمثلة كثيرة، أبسطها خوف الأب من تشرد أبنائه حال عطالته، وهو ما يدفعه للاستيقاظ باكرًا كل يوم للذهاب إلى العمل. الأمثلة لا يمكن حصرها، وكلها تجتمع على الخوف من الألم. وبالعموم ؛ يجتمع الناس على كرههم للألم، وعلى سعيهم لجنة لا ألم فيها، وتختلف نظرتهم بالطبع لهذه الجنة وتصورهم عنها، وبذلك يختلف شعورهم بالألم.

يكره الناس الألم بكل أشكاله، ولكن أشكالًا تعظم عند أناس وتصغر عند آخرين. فمنظر متشرد عند رجل قد يكون الأعظم ألمًا، ولكنه عند آخر مجرد عقاب يستحقه المتشردون على كسلهم وعطالتهم. ولكن في الحقيقة ؛ منظر المتشرد مؤلم لكليهما، إلا أن واحدًا منهما اختار تخدير نفسه تجاه ذاك المتشرد، لأنه نظر للموضوع بطريقة مخالفة للآخر. وكمثال آخر ؛ تخيل لو أن طفلة فقيرة سألتك مالًا في الوقت الذي سألك فيه متشرد آخر مثلما سألت، سيعطي الغالبية للطفلة إن اضطروا للاختيار بين الاثنين، لأنها أكثر ملامسة للشعور بالألم، رغم أن الآخر قد يعول ثلاثة مثلها. وكمثال أخير ؛ الكثير يعتقد بأن الصدقات يجب تقنينها، حتى لا يتعرض العامة للخداع، وحتى لا تستعمل الوجوه البريئة المحتاجة لأغراض سيئة وشخصية، إلا أن الكل يضعف مرة أو أكثر أمام بعض الوجوه، ويقد يعطي متشردآ أو آخر، رغم الشكوك حوله.

على العموم .. الشعور بالألم هو أعظم محرك للبشرية ؛ عندما يتألم الشعب جوعًا سيثور على من يمتلك الطعام، وعندما وعندما تشكو حريته سيثور لأجلها. وإذا ما منعته السياسة من محاربة ألمه سيزيحها عن طريقه، وسيزيح كذلك كل عائق يبقي عليه آلامه. الكل يحركه الألم تجاه جنته، التي تختلف حسب تصوراتك عنها، وعلى هذا يختلف شعور الناس بالألم.