اقتباسات من رائعة #ديستوفيسكي ؛ الجريمة والعقاب

قياسي

 

“ما أسعد الذين لا يملكون شيئًا يستحق أن يوصدوا عليه الأبواب بالأقفال”


“لا يكفي أن يكون المرء ذكيًا حتى يتصرف بذكاء.”


“إن هذه الاندفاعات المتطرفة تدل على أن أصحابها أناس مؤمنون صادقون، وتدل أيضًا أن الظروف ليست هي الظروف التي يجب توافرها.”


“إنني أحب معاشرة الشباب. من يعرفهم يتعلم كثيرًا من الأشياء الجديدة.”


“إننا نستطيع عند اللزوم أن نخنق حتى إحساسنا الأخلاقي ! إننا نستطيع عند اللزوم أن نحمل إلى السوق كل شيء فنبيعه فيها : الحرية، الطمأنينة، وحتى راحة الضمير !”


“يتفق للمرء أحيانًا أن يلقى أناسًا لا يعرفهم البتة فإذا هو يهتم بهم منذ أول نظرة قبل أن يبادلهم كلمة واحدة.”


“يُخيل إلي أن الرجال العظماء حقًا لا بد أن يشعروا على هذه الأرض بحزن عظيم.”


“ألست تمحو نصف جريمتك حين تقبل الألم ؟”


“ولكن المرء، عندما تعرّفه إلى شخص من الأشخاص، يكون طائشًا بعض الطيش، غبيًا بعض الغباوة، كما تعلم .. فهو يرى في ضوء .. شخصي، ولا يراها كما هي.”


“لكن الذكاء والغيرة شيئان اثنان لا يتعارضان، ومن هنا يأتي البلاء، ثم إنك من أجل أن تحكم على أحد الناس حكمًا حياديًا، يحسن بك أن تتخلص من بعض الآراء السابقة والعادات اليومية إزاء البشر والأشياء التي تحيط بك.”


“يقول مثل إنجليزي : مئة أرنب لا تصنع حصانًا، ومئة شبهة لا تصنع برهانًا.”


“إن الفتنة التي تشع من امرأة أخاذة فاضلة مثقفة يمكن أن تجمل حياتك، وأن تجذب إليك مودة الناس، وأن تحيطك بهالة من المهابة والسحر.”


“ما العقل إلا خادم الأهواء.”


“لئن لم يكن في هذا العالم شيء أصعب من الصدق والصراحة، فلا شيء في العالم أسهل من التملق. فالصدق إذا اندس فيه عشر معشار من الكذب سرعان ما يخالطه نشاز فتقع فضيحة. أما التملق فإنه إذا كان كذبًا من أوله إلى آخره، يظل سارًا وممتعًا، فالشخص يصغي إليه شاعرًا بلذة إن لم تكن لذة سامية فهي لذة على كل حال.”


“رب فعل يقوم به صاحبه على نحو رائع، ببراعة فائقة وحذق مدهش، ثم يبقى الباعث عليه والدافع إلىه مَموهًا، لارتباطه بمشاعر مرضية شتى”


“أيها السيد الكريم، ليس الفقر رذيلة، ولا الإدمان على السكر فضيلة، أنا أعرف ذلك أيضًا. ولكن البؤس رذيلة أيها السيد الكريم، البؤس رذيلة. يستطيع المرء في الفقر أن يظل محافظًا على نبل عواطفه الفطرية، أما في البؤس فلا يستطيع ذلك يومًا، وما من أحد يستطيعه قط. إذا كنت في البؤس فإنك لا تُطرد من مجتمع البشر ضربًا بالعصا، بل تُطرد منه ضربًا بالمكنسة، بغية إذلالك مزيدًا من الإذلال. والناس على حق في ذلك، لأنك في البؤس أول من يريد هذا الذل لنفسه بنفسه. وهذا سبب إدمانك على الشرب.”

كيف صرت مجنونًا [ المجنون ؛ جبران خليل جبران ]

قياسي

هذه قصتي إلى كل من يودّ أن يعرف كيف صرت مجنونًا: في قديم الأيام قبل ميلاد كثيرين من الآلهة نهضت من نوم عميق فوجدت أن جميع براقعي قد سُرقت – البراقع السبعة التي حُكتها وتقنعت بها في حيواتي السبع على الأرض – فركضت سافر الوجه في الشوارع الزاحمة صارخًا بالناس : “اللصوص ! اللصوص ! اللصوص الملاعين !” فضحك الرجال والنساء مني وهرب مني بعضهم إلى بيوتهم خائفين مذعورين.

وعندما بلغت ساحة المدينة إذا بفتى قد انتصب على أحد السطوح وصرخ قائلًآ : “إن الرجل مجنون أيها الناس” وما رفعت نظري لأراه إلا قبّلت الشمس ووجهي العاري لأول مرة. لأول مرة قبّلت الشمس وجهي العاري فالتهبت نفسي بمحبة الشمس ولم أعد بحاجة إلى براقعي. وكأنما أنا في غيبوبة صرخت قائلًا : “مباركون مباركون أولئك اللصوص الذين سرقوا براقعي”.

وهكذا صرت مجنونًا، ولكني قد وجدت بجنوني هذا، الحرية والنجاة معًا : حرية الانفراد، والنجاة من أن يدرك الناس كياني، لأن الذين يدركون كياننا إنما يستعبدون بعض ما فينا.

ولكن لا أفخرنّ كثيرًا بنجاتي، فإن اللص وإن كان في غيابة السجن فهو في مأمن من أقرانه اللصوص !


نص لجبران خليل جبران من كتابه “المجنون”. هذا النص من أجمل ما قرأت، وفيه الكثير من الرمزية التي أتمنى أن نتفكر فيها قليلًا.

سافر الوجه تعني كاشف الوجه، براقعي هي أغطية الوجه، غيابة السجن هي دواخله المظلمة.

أواخر أيام أحمد أمين [ماذا علمتني الحياة ؛ جلال أمين]

قياسي

 

لازلت أتذكر أبي، بوضوح تام، وهو جالس، منذ ما يقرب من ستين عامًا، في جلبابه الأبيض في مكانه المعتاد على الكنبة الكبيرة وسط الصالة، وعلى يمينه مائدة وضع عليها عدد كبير من زجاجات الأدوية المختلفة الأشكال والألوان، حيث كان يعتمد في التمييز بين دواء وآخر على اختلاف أحجام الزجاجات، بعد أن أصبح من الصعب جدًا عليه، من فرط ضعف بصره، أن يقرأ اسم الدواء المكتوب على الزجاجة. كان يحاول أن يكتب شيكًا لمستأجر الأرض الزراعية التي يملكها، بيد مرتعشة، فعندما فرغ بصعوبة من كتابة الاسم والمبلغ، وجاء وقت التوقيع، وجد صعوبة بالغة في أن يكتب اسمه هو بالطريقة التي تعودها والتي يمكن أن يقبلها البنك، فلما اضطر إلى تمزيق الشيك وكتابة غيره، وواجه نفس الصعوبة فوجئنا بانفجاره بالبكاء، إذ وجد أنه لم يعد قادرًا على القيام بهذا العمل البسيط جدًا، والمهم جدًا مع ذلك، والذي طالما قام به دون عناء.

كان تدهور صحته ونظره هو بلا شك السبب فيما أصابه من حزن. ولابد أن هذا التدهور هو ما جعله يفقد اهتمامه بأشياء كثيرة مما يهتم بها سائر الناس، ولم تكن تافهة لهذا الحد في نظره في الماضي. كان في سنواته الأخيرة يذهب إلى بعض الحفلات المهمة، في مناسبة رسمية، فلا يرى داعيًا لرابطة العنق، بل وقد يستغني عن حلاقة ذقنه، من فرط لا مبالاته بما يمكن أن يكون عليه منظره، أو ما يمكن أن يكون رأي الناس في ذلك. الأغرب من ذلك لا مبالاته برأي الناس في مقالاته إلى درجة قبوله لأمر لازلت حتى الآن أتعجب أشد العجب من قبوله له. لابد أن هذا كان في أوائل الخمسينات، وكانت مجلة الثقافة لا زالت تصدر ولكنها لم تستمر طويلًا بعد هذا، إذ واجهها من المصاعب المالية ما اضطرها للتوقف. وكان أبي يكتب فيها، في كل أسبوع، مقالًا  قصيرًا جدًا لا يزيد على مائتي كلمة أو ثلاثمائة تحت عنوان «خاطرة». وكان يعبّر عن ضيقه أحيانًا بأنه لا يجد فكرة جديدة يكتب عنها مقالة، وقد حان موعد تسليم المقال.  (…)

لا زلت أشعر ببعض الألم ووخز الضمير حتى الآن، كلما تذكرت منظر أبي وهو جالس في الصالة وحده ليلا، في ضوء خافت، دون أن يبدو مشغولا بشيء على الإطلاق، لا كتابة ولا قراءة، ولا الاستماع إلى راديو، وقد رجعت أنا لتوي من مشاهدة فيلم سينمائي مع بعض الأصدقاء. أحيي أبي فيرد التحية، وأنا متجه بسرعة إلى باب حجرتي وفي نيّتي أن أشرع فورًا في النوم، بينما هو يحاول استبقائي بأي عذر هروبًا من وحدتهو وشوقًا إلى الحديث في أي موضوع. يسألني أين كنت فأجيبه، وعمن كان معي فأخبره، وعن اسم الفيلم فأذكره، كل هذا بإجابات مختصرة أشد الاختصار وهو يأمل في عكس هذا بالضبط. فإذا طلب مني أن أحكي له موضوع الفيلم شعرت بضيق، وكأنه يطلب مني القيام بعمل ثقيل، أو كأن وقتي ثمين جدًا لا يسمح بأن أعطي أبي بضع دقائق.

لا أستطيع حتى الآن أن أفهم هذا التبرم الذي كثيرًا ما يشعر به شاب صغير إزاء أبيه أو أمه، مهما بلغت حاجتهما إليه، بينما يبدي منتهى التسامح وسعة الصدر مع زميل أو صديق له في مثل سنه مهما كانت سخافته وقلة شأنه. هل هو الخوف المستطير من فقدان الحرية والاستقلال، وتصور أي تعليق أو طلب يصدر من أبيه أو أمه وكأنه محاولة للتدخل في شؤونه الخاصة أو تقييد لحريته ؟ لقد لاحظت أحيانًا مثل هذا التبرم من أولادي أنا عندما أكون في موقف مثل موقف أبي الذي وصفته حالا، وإن كنت أحاول أن أتجنب هذا الموقف بقدر الإمكان لما أتذكره من شعوري بالتبرم والتأفف من مطالب أبي. ولكني كنت أقول لنفسي إذا اضطررت إلى ذلك “لا أرغب في أكثر من الاطمئنان على ابني هذا، أو في أن أعبر له عن اهتمامي بأحواله ومشاعره، فلماذا يعتبر هذا السلوك الذي لا باعث له إلا الحب، وكأنه اعتداء على حريته واستقلاله ؟”.


* جلال أمين (كاتب المقالة) – صاحب الصورة أعلى التدوينة

* أحمد أمين (والد الكاتب) – صاحب الصورة نهاية التدوينة

 

الألم كنعمة [كن سعيداً ؛ أندرو كاثيوز]

قياسي

إذا كنت تتحاور مع (جون براون) بعد أن أمضى الساعة ونصف الساعة عند طبيب الأسنان وقلت له : “أليس الألم شيئاً رائعاً” فربما يشك (جون) وقتها في أنك مجنون. وبنفس الطريقة، إذا كنت في المطبخ وحرقت إصبعك فربما يكون من الصعب أن تقدر مدى إيجابية هذا الألم.

ولكن دعنا نفترض أنك لم تشعر بالألم على الإطلاق. فمن الممكن أن تستند إلى سطح ساخن لمدة عشرين دقيقة ولا تشعر بذلك إلا بعد أن تستدير وترى أن ذراعك قد أصبحت متفحمة. فإذا لم تكن تشعر بالألم العضوي، فمن المحتمل أن تصل إلى البيت من العمل وعند انحنائك لتخلع حذاءك تقول : “يا إلهي ! لقد فقدت نصف قدمي اليسرى. لا بد أنها قطعت في مكان ما. هل فقدتها عند باب المصعد أم أن هذا له علاقة بكلب جاري (الدوبرمان) ؟ أعتقد أني لم أكن أمشي بطريقتي المعتادة هذا المساء”.

إن الألم العضوي له ناحية إيجابية. فهو تغذية استرجاعية مستمرة ؛ لتخبرنا بما يجب أن نفعله وما لا يجب أن نفعله. فكم سيكون محرجاً إذا اضطررت لأن تفسر عدم قدرتك على تناول الطعام وأنت تتناول عشاءً رومنسياً على أضواء الشموع قائلاَ : “لا أستطيع تناول الحلوى حبيبتي، لأني قمت بقضم لساني منذ قليل” (وبالطبع سوف يكون هذا التفسير بلغة الإشارة).

فعندما نفرط في تناول الطعام أو لم نستطع أخذ قسط كاف من النوم أو إذا كنا نشعر ببعض الإرهاق أو أصبنا بكسر ونحتاج إلى راحة، فإن نظامنا الذاتي الرائع سوف يطلق جرس إنذار لندرك ذلك.

وينطبق هذا على تجاربنا العاطفية المؤلمة. فإذا جرحت عواطفنا ؛ تصلنا رسالة معلنة عن حاجتنا لتغيير مسارنا أو الحاجة لرؤية الأشياء من منظور مختلف. وإذا جرحت مشاعرنا، وخذلا شخص ما مقرب لنا في الحياة فقد تكون الرسالة وقتها : “أحب هؤلاء الأشخاص في حياتك دون أن تنتظر منهم شيئاً، وتقبلهم على حالهم، ولتأخذ منهم فقط ما يريدون إعطاءك إياه دون اعتراض أو طلب المزيد”.

وقد تكون الرسالة البديلة : “لا تدع تصرفات الآخرين تؤثر على تقديرك لذاتك”.

إذا احترق منزلك أو سرق أحدهم سيارتك فسوف تشعر بأحاسيس مزعجة. فهذا أمر طبيعي ويشعر به البشر كافة. وإذا اخترت أن تتعلم من الموقف فستعرف جيداً أنه يمكنك أن تحيا في سعادة دون هذه الأشياء التي كنت مرتبطاً بها للغاية ؛ فمثل هذه التجارب العاطفية يمكن أن تعيد ترتيب أولوياتك في الحياة. ولا أعني بذلك أنه يجب أن نعيش بلا منازل أو بلا سيارات. ولكن ما أريد قوله هو أن الأشخاص الناجحين هم الذين يتعلمون من مثل هذه التجارب، ويعيدون ترتيب أنفسهم ليتماشى ذلك مع الوضع الجديد، وبذلك تصبح الشدائد أقل ألماً.

تعقيب شخصي ؛ أندرو ماثيوز هو من أبرز الكتاب في التنمية البشرية برأيي، آراؤه مختصرة وواضحة، وطريقته في الكتابة لطيفة ومثيرة للضحك .. ولهذا أنا أنصح دائماً بكتبه لمن يبحث عن كتب في التنمية البشرية

قصيدة “قصة الحرية” ؛ للشاعر أحمد مطر

قياسي

أخبرنا أستاذي يوماً .. عن شيء يدعى الحرية
فسألت الأستاذ بلطف .. أن يتكلم بالعربية
ما هذا اللفظ وما تعني ؟ .. وأي شيء حرية ؟
فأجاب معلمنا حزناً .. وانساب الدمع بعفوية
قد أنسوكم كل التاريخ .. وكل القيم العلوية
أسفي أن تخرج أجيال .. لا تفهم معنى الحرية
لا تملك سيفاً أو قلماً .. لا تحمل فكراً وهوية
وعلمت بموت مدرسنا .. في الزنزانات الفردية
فنذرت لإن أحياني الله .. وكانت بالعمر بقية
لأجوب الأرض بأكملها .. بحثاً عن معنى الحرية

وقصدت نوادي أمتنا .. أسألهم أين الحرية ؟
فتواروا عن بصري هلعاً .. وكأن قنبلة ذرية
ستنفجر فوق رؤوسهم .. وتبيد جميع البشرية
وأتى رجل يسعى وجلا .. وحكى همساً وبسريّة
لا تسأل عن هذا أبداً .. أحرف كلماتك شوكية

فذهبت إلى صناع الرأي .. وأهل الصحف الدورية
ووكالات وإذاعات .. ومحطات تلفازية
وظننت بأني لن أعدم .. من يفهم معنى الحرية
فإذا بالهرج قد استعلى .. وأقيمت سوق الحرية
وخطيب طالب في شمم .. أن تلغى القيم الدينية

فوقفت بمحراب التاريخ .. لأسأله ما الحرية ؟
فأجاب بصوت مهدود .. يشكو أشكال الهمجية
إن الحرية أن تحيا .. عبداً لله بكلية
وفق القرآن ووفق الشرع .. ووفق السنن النبوية
الحرية نبت ينمو .. بدماء حرة وزكية
اسمع ما أملي يا ولدي .. وارويه لكل البشرية
إن الحرية أزهار .. ولها رائحة عطرية
كانت تنمو بمدينتنا .. وتفوح على الإنسانية

أنشودة رمزية [ شروط النهضة : مالك بن نبي ]

قياسي

  • فلما عصى آدم ربه وغوى أنزله الله إلى الأرض منبوذاً، ولم يكن ما يستر به جسده إلا بعض أوراق من الشجر، ولم يكن له من زاد إلا الندامة التي كانت تعتصر قلبه، وتنهش ضميره.
  • ولما وطئت قدماه الأرض سخرت الوحوش من ضعفه، وهزئت القوى الطبيعية من عريه وفقره، فأحس آدم بالجوع والبرد والخوف، ففر هارباً وأوى إلى غار مظلم.
  • لقد بدأ هناك يفكر في فقره ووحدته، في بيئة كل ما فيها يعاديه، وهو لا يعرف من أسرارها شيئاً.
  • نظر إلى السماء فرأى الطير يكتسحها، ونظر إلى البحر فرأى السمك يرتع فيه ويلعب، وتطلع إلى الأرض فإذا بالوحوش تصول في الغاب وتجول.
  • فغبط آدم هذه الحيوانات كلها، لما أوتيت من مأكل ومأوى، ولما أمنت من خوف، وازداد في قلبه الندم حتى ملك عليه نفسه.
  • هنالك رفع يديه إلى السماء يتضرع، فاستجابت له السماء قائلة : اذهب أيها الرجل، فإني أعطيتك عقلاً ويداً، وأعطيتك تراباً وزماناً.
  • اذهب فإن لك في الحياة أن تفعل ما يفعل الطير، فتحلق في الفضاء، وأن تغوص في اليم مثل الحوت فتعبر المسافات الطويلة في البحار.
  • حينئذ ارتد آدم إلى نفسه، وتفتحت مغاليق الحياة أمام عينيه. وإذا بشمسها تسطع على غاره المظلم، وتضيء له السبيل إلى مستقبله الساطع الخلاب.

قصة رمزية [ شروط النهضة : مالك بن نبي ]

قياسي

لقد حانت الساعة التي ينساب فيها شعاع الفجر الشاحب بين نجوم الشرق

وكل من سيستيقظ بدأ يتحرك وينتفض في خدر النوم وملابسه الرثة

ستشرق شمس المثالية على كفاحك الذي استأنفته هناك في السهل, حيث المدينة التي نامت منذ أمس ما زالت مخدرة

ستحمل إشعاعات الصباح الجديد ظل جهدك المبارك, في السهل الذي تبذر فيه .. بعيدا عن خطواتك

وسيحمل النسيم الذي يمر الآن البذور التي تنثرها بداك .. بعيدا عن ظلك

ابذر أخي الزارع. من أجل أن تذهب بذورك بعيدا عن حقلك, في الخطوط التي تتناءى عنك .. في عمق المستقبل

هاهي بعض الأصوات تهتف ؛ الأصوات التي أيقظتها خطواتك في المدينة, وأنت منقلب إلى كفاحك الصباحي . وهؤلاء الذين استيقظوا بدورهم , سيلتئم شملهم معك بعد حين

غنّ أخي الزارع ! لكي تهتدي بصوتك هذه الخطوات التي جاءت في عتمة الفجر, نحو الخط الذي يأتي من بعيد

وليدوّ غناؤك البهيج, كما دوّى من قبل غناء الأنبياء في فجر آخر, في الساعات التي ولدت فيها الحضارات

وليملأ غناؤك أسماع الدنيا , أعنف وأقوى من هذه الجوقات الصاخبة التي قامت هنالك

هاهم أولاء ينصبون الآن على باب المدينة التي تستيقظ , السوق وملاهيه , لكي يميلوا هؤلاء الذين جاؤوا على إثرك , ويلهوهم عن ندائك

وهاهم ألاء قد أقاموا المسارح والمنابر للمهرجين والبهلوانات , لكي تغطي الضجة على نبرات صوتك

وهاهم أولاء قد أشعلوا المصابيح الكاذبة لكي يحجبوا ضوء النهار , ولكي يطمسوا بالظلام شبحك في السهل الذي أنت ذاهب إليه

وهاهم أولاء قد جملوا الأصنام ليلحقوا الهوان بالفكرة

ولكن شمس المثالية ستتابع سيرها دون تراجع , وستعلن قريبا انتصار الفكرة وانهيار الأصنام , كما حدث يوم تحطم هُبَل في الكعبة