هذه قصتي إلى كل من يودّ أن يعرف كيف صرت مجنونًا: في قديم الأيام قبل ميلاد كثيرين من الآلهة نهضت من نوم عميق فوجدت أن جميع براقعي قد سُرقت – البراقع السبعة التي حُكتها وتقنعت بها في حيواتي السبع على الأرض – فركضت سافر الوجه في الشوارع الزاحمة صارخًا بالناس : “اللصوص ! اللصوص ! اللصوص الملاعين !” فضحك الرجال والنساء مني وهرب مني بعضهم إلى بيوتهم خائفين مذعورين.
وعندما بلغت ساحة المدينة إذا بفتى قد انتصب على أحد السطوح وصرخ قائلًآ : “إن الرجل مجنون أيها الناس” وما رفعت نظري لأراه إلا قبّلت الشمس ووجهي العاري لأول مرة. لأول مرة قبّلت الشمس وجهي العاري فالتهبت نفسي بمحبة الشمس ولم أعد بحاجة إلى براقعي. وكأنما أنا في غيبوبة صرخت قائلًا : “مباركون مباركون أولئك اللصوص الذين سرقوا براقعي”.
وهكذا صرت مجنونًا، ولكني قد وجدت بجنوني هذا، الحرية والنجاة معًا : حرية الانفراد، والنجاة من أن يدرك الناس كياني، لأن الذين يدركون كياننا إنما يستعبدون بعض ما فينا.
ولكن لا أفخرنّ كثيرًا بنجاتي، فإن اللص وإن كان في غيابة السجن فهو في مأمن من أقرانه اللصوص !
نص لجبران خليل جبران من كتابه “المجنون”. هذا النص من أجمل ما قرأت، وفيه الكثير من الرمزية التي أتمنى أن نتفكر فيها قليلًا.
سافر الوجه تعني كاشف الوجه، براقعي هي أغطية الوجه، غيابة السجن هي دواخله المظلمة.
كم نحن بحاجة هذه الايام إلى الجنون لنتخلص من براقع هذه الحياة…والاصح لنهرب من براقع الناس في هذه الحياة التي يسيطر عليها الكذب والاستغلال