مشكلتي مع التأريخ

قياسي

كثير ما يردد البعض بأن اقرؤوا التاريخ، كثير ما سمعنا أناس تردد بأنهم لا يتكلمون ولا يطرحون أفكارهم عن فراغ، وإنما عن حقائق ووقائع تاريخية.
قد يبدو التاريخ وكأنه مجرد حقائق ووقائع حصلت بالفعل بالنسبة للكثير، وقد تبدو بعض التفاصيل التاريخية مسلّمات بالنسبة لآخرين، وقد تبدو مستقبحة عند البعض كلمتي بأني لا أثق بالتاريخ، لإيماني بعدم حيادية المؤرخين وتأريخهم.
مشكلة عدم الحيادية هي ليست خطيئة كما يظن البعض، كما أن الحيادية التامة ليست بالشيء الواقعي أو الممكن. أنا لا أتهم أحدًا بسوء نيته، وإنما أصف واقعًا بشريًا بحتًا، تتعرض له كل محاولة للتأريخ
يعتمد التأريخ بنسبة كبيرة على مشاهدات المؤرخ، والذي قد يتجاوز أحيانًا ليسجل أشياءً ويتغاضى عن أشياء لا يراها ذات أهمية، والتي قد تكون بالفعل كذلك، وقد لا تكون. فهو بذلك يعتمد بشكل كبير على عقلية واختيارات المؤرخ للأحداث.
فضلًا عن أن الإلمام بكامل الأحداث يبدو مستحيلًا، فقد يلتقط المؤرخ سببًا يكون ثانويًا فيجعله محوريًا، وقد يحدث العكس وبكل بساطة.
كل هذا وأنا لم أتعرض لأولئك الذين يحاولون فعليًا تغيير التاريخ، أو حذف بعض من تفاصيله أو إضافة شيءٍ آخر. لغرض مادي أو لدعم فكرتهم أو لأيٍ من الأسباب الأخرى.
بغض النظر عن محاولة المؤرخ لأن يبدو محايدًا، فالحيادية ضرب من الخيال. وستقضي بشرية المؤرخ بانتماء معين، ويصعب التخلص من الانتماءات بشكل تام. مجرد. فطالما أن فيك حب أو كراهية فأنت بذلك قد تخليت عن حياديتك.

سأخصص هذه المرة بعضًا من الأحداث لدعم فكرتي :

١. تقول بعض كتب السيرة النبوية بأن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد استخدم المنجنيق في حصاره لمدينة الطائف، وتعزي إليه مقولة بأن ارموهم بغض النظر عن الأطفال والنساء والشيوخ، طالما أن الهدف هو فتح المدينة ودخولها. وأعتقد باستحالة استعمال المنجنيق بداية في حصار مدينة جبلية كالطائف، فضلًا عن أن هذا النص لا يرد إلا عن أحد الكتاب الذين يدعمون فكرة قتل غير المسلمين بلا جُرم.
٢. في كتاب “قصة تونس” للأستاذ راغب السرجاني، قال بأن الرئيس بوتلفيقة كان يأمر باعتقال كل من له أكثر من زوجتين في عهدته، الكلمة نفسها يرددها الكثير من كتاب التاريخ (لن أقول عنهم مؤرخين). ما لم يقوله هؤلاء بأن الرئيس بوتلفيقة كان يعمل بفتوى الشيخ محمد دراز، التي يوافقه فيها الإمام محمد عبده قبلها، والتي تقتضي بأن شرط العدل للتعدد كان تعجيزيًا.
٣. قد يكون التاريخ السعودي هو الأكثر تعديلًا في الآونة الأخيرة، بداية من قصة دخول الرياض بأربعين رجل، دون ذكر المساعدات البريطانية. مرورًا بقصة جيهمان التي تواجه الكثير من محاولات الحذف من التاريخ. وغيرها الكثير الكثير.

4 رأي حول “مشكلتي مع التأريخ

  1. عبدالملك

    “فضلًا عن أن هذا النص لا يرد إلا عن أحد الكتاب الذين يدعمون فكرة قتل غير المسلمين بلا جُرم.”
    مسألة انه لا يرد الا عندهم لا يعني عدم وجوده او صحته!

    بل قد يعني ان ان الطرف الاخر يخفيها لاسباب مختلفة كـ تحسين صورة الاسلام في عصرنا الذي لا يتقبل افعل كـ تلك وقد يصفها بالاجرامية او الارهابية.

  2. العيادة

    [ فضلًا عن أن هذا النص لا يرد إلا عن أحد الكتاب الذين يدعمون فكرة قتل غير المسلمين بلا جُرم ]

    أستاذي ..
    من هو [ أحد الكتاب ] هذا ؟

  3. العيادة

    أعجبني تعليقك على كتاب محمد بن صنيتان حول التاريخ ..

    كل يوم ازداد لك حباً واحتراماً ..
    واصل يالغالي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *