التجربة البشرية

قياسي
أعتقد بأن أحد الأفكار الأساسية التي تجتمع في الأمم المتقادمة أو المتطورة هي إيمانها بالتجربة الإنسانية، موقفها من الخطأ والضياع وبأنه أساس من التجربة والطريق إلى الكمال، بأن الخطأ محتمل ويجب تقبله بالتصويب أكثر من السخرية أو العجز.
وفي الجهة الأخرى ؛ فالخطأ عند الأمم غير المتقدمة عادة ما يكون أمرًا يجب اجتنابه، مما يسبب بالطبع خوفًا من كل جديد. وفي النهاية تجد بأنها أمة تسير على خطى سابقة أثبتت صحتها في زمن من الأمان، وليس بالضرورة أنها صحيحة بالمطلق. وأحيانًا تكون هذه العقلية سببًا لتجنب القيام بأي أمرٍ، وكما يقول أندرو ماثيوس : لن تخطئ أبدًا إن لم تفعل شيئًآ.
تدور أفكار الأمم المتخلفة -إن صح التعبير- في النهضة على التمسك بنفس الأفكار القديمة، وعادة ما تكون مصحوبة بأمل تدخل إلهي أو سماوي غير مألوف. تنتظر قدوم مُخَلِّص أو محررٍ أو أسطورة تشكل بطاقة الخروج من الألم والتخلف. والمضحك بأن كثيرًا منها ترسم خطة للخروج وتفاصيل ليوم الخلاص بشكل عجيب جدًا يجعله أشبه بالرواية، التي تقوم هي بدورها بالانتظار فقط. وبغض النظر عن إيجابيات وسلبيات هذا اليوم الذي ننتظره إذا ما حاكمناه فإن طريقة إيماننا به أشبه بالشلل الذي يصيب الأجساد، يصاحبه عادة رفض لأي خطوة يُعتقد بأنها قد تُبعد عن المصير المنشود، ويُحرم النقاش عن تفاصيل وفراغات لم تملأ أو تتعارض، بل ويصاحبه استعداد تام لتوعد كل مخالف بسوء الخاتمة والمصير.
غريب جدًا في عالمنا العربي -على وجه التحديد- احتقارهم للتجربة الإنسانية أو البشرية ؛ أتذكر مثلًا أولئك الذين لا زالوا يعايرون بعض البلاد التي لم توفر الحماية لمواطنيها في ساعات متأخرة من الليل، وحتى بعد انتهاء هذه التجربة في تلك البلاد فإنها لا تزال محط سخرية واستهتار منها، بالرغم من أنها قد تكون خلقت عادة شعبية لديهم يطمح إليها الكثير منا، ألا وهي النوم بالليل والعمل بالنهار.
بشكل متفائل أقرب ما يكون للسذاجة، يعتقد الشعب العربي بأن المستحيل كلمة غير حقيقية، لكنهم جعلوا مقابلها السخافة، فاعتقدوا بأن كل شيءٍ ممكن إنجازه دون أي جهد يُذكر، وكل ما ليس بأيدينا، محتوم علي أن يكون بها يومًا.

اقتباسات من رائعة #ديستوفيسكي ؛ الجريمة والعقاب

قياسي

 

“ما أسعد الذين لا يملكون شيئًا يستحق أن يوصدوا عليه الأبواب بالأقفال”


“لا يكفي أن يكون المرء ذكيًا حتى يتصرف بذكاء.”


“إن هذه الاندفاعات المتطرفة تدل على أن أصحابها أناس مؤمنون صادقون، وتدل أيضًا أن الظروف ليست هي الظروف التي يجب توافرها.”


“إنني أحب معاشرة الشباب. من يعرفهم يتعلم كثيرًا من الأشياء الجديدة.”


“إننا نستطيع عند اللزوم أن نخنق حتى إحساسنا الأخلاقي ! إننا نستطيع عند اللزوم أن نحمل إلى السوق كل شيء فنبيعه فيها : الحرية، الطمأنينة، وحتى راحة الضمير !”


“يتفق للمرء أحيانًا أن يلقى أناسًا لا يعرفهم البتة فإذا هو يهتم بهم منذ أول نظرة قبل أن يبادلهم كلمة واحدة.”


“يُخيل إلي أن الرجال العظماء حقًا لا بد أن يشعروا على هذه الأرض بحزن عظيم.”


“ألست تمحو نصف جريمتك حين تقبل الألم ؟”


“ولكن المرء، عندما تعرّفه إلى شخص من الأشخاص، يكون طائشًا بعض الطيش، غبيًا بعض الغباوة، كما تعلم .. فهو يرى في ضوء .. شخصي، ولا يراها كما هي.”


“لكن الذكاء والغيرة شيئان اثنان لا يتعارضان، ومن هنا يأتي البلاء، ثم إنك من أجل أن تحكم على أحد الناس حكمًا حياديًا، يحسن بك أن تتخلص من بعض الآراء السابقة والعادات اليومية إزاء البشر والأشياء التي تحيط بك.”


“يقول مثل إنجليزي : مئة أرنب لا تصنع حصانًا، ومئة شبهة لا تصنع برهانًا.”


“إن الفتنة التي تشع من امرأة أخاذة فاضلة مثقفة يمكن أن تجمل حياتك، وأن تجذب إليك مودة الناس، وأن تحيطك بهالة من المهابة والسحر.”


“ما العقل إلا خادم الأهواء.”


“لئن لم يكن في هذا العالم شيء أصعب من الصدق والصراحة، فلا شيء في العالم أسهل من التملق. فالصدق إذا اندس فيه عشر معشار من الكذب سرعان ما يخالطه نشاز فتقع فضيحة. أما التملق فإنه إذا كان كذبًا من أوله إلى آخره، يظل سارًا وممتعًا، فالشخص يصغي إليه شاعرًا بلذة إن لم تكن لذة سامية فهي لذة على كل حال.”


“رب فعل يقوم به صاحبه على نحو رائع، ببراعة فائقة وحذق مدهش، ثم يبقى الباعث عليه والدافع إلىه مَموهًا، لارتباطه بمشاعر مرضية شتى”


“أيها السيد الكريم، ليس الفقر رذيلة، ولا الإدمان على السكر فضيلة، أنا أعرف ذلك أيضًا. ولكن البؤس رذيلة أيها السيد الكريم، البؤس رذيلة. يستطيع المرء في الفقر أن يظل محافظًا على نبل عواطفه الفطرية، أما في البؤس فلا يستطيع ذلك يومًا، وما من أحد يستطيعه قط. إذا كنت في البؤس فإنك لا تُطرد من مجتمع البشر ضربًا بالعصا، بل تُطرد منه ضربًا بالمكنسة، بغية إذلالك مزيدًا من الإذلال. والناس على حق في ذلك، لأنك في البؤس أول من يريد هذا الذل لنفسه بنفسه. وهذا سبب إدمانك على الشرب.”

هاي فايڤ

قياسي

كتب هذه التدوينة الصديق مصلح سهلي @MoslehSa 

القيود والقيود

حجم الدهشة يزداد بحجم معرفتنا بالقيود التي تحاصرنا .. زمان ومكان ولادتنا فقط يحددان جل معتقداتنا ..وتحت سلطتي الزمان والمكان نحن محاصرون بما تصل إليه حواسنا من معرفة .. أسرى لتلك الرغبة التي تركن إلى الراحة بدلا من البحث والبحث.. وإن بحثنا فنحن أسرى لما نُشر لنا ..

استبداد التراث الإنساني

بعضنا يكتشف لاحقا في حياته أنه كان أسيرا فيقرر أن يثور .. كان مثلا يظن نفسه أسيرا لتراث السلف فثار ليجد نفسه أسيرا لفلاسفة ما قبل الميلاد وفلاسفة القرون الخمسة الأخيرة من الألفية الثانية..

مهما ثرنا فنحن ربما أسرى حتى لتلك الأفكار التي نحاربها!

السن توب و السن كولا

في سياق الثورات هذه تكثر الأسئلة .. ويكثر النقاش .. حول المعتقدات والوجود والبحث عن الذات .. ينسى الثائر -كما سمى نفسه- حجم القيود التي تنبه لها ..فيزن حقيقة ما وصل إليه أكثر مما يجب .. ينسى أن المعتقدات الشخصية هي مجرد تفضيل لا يمكن للشخص ذاته شرحه أو التعبير عنه .. كثير من إجاباتنا لا معنى لأن نقنع أحدا بها .

في الوضع الطبيعي يطلب شخص ما الببسي على الطعام ويطلب زميله سفن أب .. يمر الأمر بسلام عادة .. لا معنى لأن تسأل شخص “لماذا تشرب هذا ولا تشرب ذاك” ..الثائرون ربما يحولون الأمر لاختبار قناعات !

ربما تغدو الحياة أجمل لو اعتبرنا أن أغلب حواراتنا حول هذه القناعات لا تعدو عن كونها قناعة شخص ما بشرب السن توب .. في زمن آخر أو مكان آخر ربما ستجده يفضل السن كولا..أو لا فرق لديه !

الآن وهنا

ربما أفهم كيف يتراكم الوعي في العلوم التطبيقية علها تسهم في جعل حياة الإنسان أسهل وأجمل .. ولكن يصعب علي الآن أن أفهم كيف يتراكم الوعي في العلوم الإنسانية .. التاريخ والفلسلفة وعلوم الاجتماع الخ .. تراكمها حتى كأدوات لقراءة الواقع واستقراء المستقبل يبدو عبثا .. لولا أنها استعبدتنا .. هم أنفسهم يعرفون أنه باختلاف متغير واحد كالزمن كفيل بجعل النموذج –أي نموذج- غير قابل للقياس .. يعرفون أن التاريخ لم يكن ليعيد نفسه لولا أننا أعدناه لأننا أسرى لـ “التاريخ يعيد نفسه” !

ربما تغدو الحياة أجمل لو عشنا هنا أكثر من عيشنا هناك .. لوهلة تظن أننا نعرف كيف عاش الإنسان الأوروبي أو الأمريكي طوال تاريخه وماذا أردا أكثر مما نعرفه عنا وعن (ماذا نريد حقيقة ) ! .. نعيش إلى الآن تحت وطأة نظريات اجتماعية وسياسية قبل قرون مضت. . ألا يكفينا أن نفكر في حدود ما لم ولن نفتك منهما أبدا .. الزمان والمكان؟ الآن وهنا؟

تجسيد الفكرة

قياسي

مالك بن نبي : “أما في الماضي فقد كانت البطولات تتمثل في جرأة فرد، لا في ثورة شعب، وفي قوة رجل، لا في تكاثف مجتمع، فلم تكن حوادثها تاريخًا، بل قصصًا ممتعة، ولم تكن صيحاتها صيحات شعب بأكمله”.
أحد الأفكار التي أعتقد بأننا نؤمن بها، حتى وإن كانت بشكل لا ندركه ولا نعيه، هي فكرة البطل الواحد.
تميل فكرة البطل الواحد على تجسيد الفضيلة بشكل كامل على شكل شخص واحد، وتحميله فوق طاقته واستيعابه البشري المذبذب بين الصواب والخطأ. تجد ميلًا عامًا لأن يكون يحلل العالم الفيزيائي الوضع السياسي، وأن يتكلم رجل الدين في الاقتصاد والفلسفة والمشاكل الدولية، وأن يكتب طبيب الأسنان عن التاريخ، وغيرها من التداخلات في المجالات والاهتمامات، وأحيانًا تكون هذه التداخلات بسبب مطالبات شعبية، أو بسبب هذه الفكرة الدفينة في الآمل بمنصب البطل ذاك. الفكرة موجودة في الجميع وبشكل كبير.
أعتقد بأن هذه الفكرة موجودة في الكثير إذا لم أقل عند الجميع، ففكرة البطل هي انعكاس لطلب التبسيط والترميز الذي يُطالب به الجميع. وبشكل غريب ؛ فنحن نرفض بأن نجعل الثورة المصرية مثلًا ثورة شعب، بل نبحث عن شخص يعكسها ويكون لها رمزًا، بداية من وائل غنيم، نهاية بالرئيس الأخير محمد مرسي والذي يُسوّق له وكأن سقوطه سقوط للثورة. والكثير من الحركات الكبرى والتغييرات الضخمة التي تُحمل وكأنها لم تكن حرمة شعب كامل، أو فكرة ضخمة تشربها الكثير.
المزعج في الموضوع، أن يجد المرء في نفسه الجرأة والثقة التي تخوله لأن يتكلم وكأنه رمز، أو أن يتنقل بين التخصصات المواضيع وبكل جرأة وكبرياء.
المشكلة الأساسية بالنسبة لي تكمن في انتقال المعنى من الفكرة إلى الرمز، كأن ينتقل الدين من المفاهيم الأساسية إلى رجال الدين، أو تنتقل الفضيلة من مبادئها وأفكارها الأساسية إلى أن تتحول إلى الرمز الذي يتحول تشريعًا ومصدرًا للخير والشر فيما بعد. فيتحول من مجرد بشري إلى بشري مقدس، أخطاؤه يتجاوز عنها، وأفكاره مسلمات مهما كانت وكيفما جاءت.
وأعتقد بأن هذا ما نراه اليوم منتشرًا في خطابات ونداءات الكثير، أن يتكلم باسم الله والفضيلة، وأن يرمي البقية بالشر وكل الخصال الخبيثة. كتجسيد العالم للشر في الإرهاب المتمثل في تنظيم القاعدة، وتجسيد الحرب في الطرف الآخر في الحرب العالمية الثانية، الشيء الذي جعل القنبلة الذرية تقوم باسم إنهاء الحرب ومن واجب إنساني، باختصار ؛ كانت الجنود تعتقد بأن انتصارها سيفضي إلى نهاية مفهوم الحرب من المستقبل. وبقدر استيائنا من استخدام الآخرين لهذه الفكرة ضدنا، بقدر ما نستخدمها ضد غيرنا.
فضلًا عن التشويه الذي يحصل لكثير من الأفكار لمجرد أن ناشرها أخطأ بأحد الأيام، أو لأن فيه خصلة غير حميدة. وكثير ما خسرنا أفكارًا قوية وجريئة لمجرد أننا لا نتقف مع صاحبها في كثير من المواضيع.
سأختم تدوينتي بقولة حفظتها قديمًا عن الدكتور يوسف القرضاوي عندما يقول : فلنعرف الرجال بالحق، ولا نعرف الحق بالرجال.

حماية المقدسات

قياسي

 كتب هذه التدوينة الصديق عبدالمحسن القصبي @ME7SEN

 

يكتب صديقي أحمد بادغيش عن دور الدولة في حماية المقدَّس ويخلص إلى نتيجةٍ هي أن؛

(ليس على الدولة أن تحمي مقدسات شعبها من رأي أو كلمة أو مخالفة) لأسباب أربع:

1- دور الدولة و عملها:

أنها أساسًا “آليةٌ” لحماية حقوق المواطنين من بعضهم، من جهة أن الأصل هو إتاحة الحرية للفرد قدر المستطاع حيث لا يصح منعه بحجة حماية المقدَّس، ومن الجهة الأخرى أنها موفِّرة لسبل نضج المعتقدات وصلابتها عن طريق السماح بالنقد المفتوح.

2- أن المقدَّس متعالي لا يمكن إهانته:

أن طبيعة المقدَّس لدى من يقدِّسه طبيعة مرتفعة حاكمةٌ غير محكومةٍ ملزمةٌ غير ملزَمَةٍ، فبذلك لا يمكن أصلاً الإنتقاص منها أو إلحاق الضرر بها.

3- أن سبب الإهانة مشكلة في أساس الإيمان:

أن الشعور بالإهانة مصدره عدم القدرة على الرد العقلي، وأن هذا الرد العقلي غير متوائم مع مبدأ الإيمان المعتمد على وثبة تصديقية أو “قفزة إيمانية”، والتي يقصد بها تجاوز مساحة الثبات العقليّة، المتمثلة بما يثبته أو ينفيه المختبر، إلى المنطقة التصديقية بالإيمان.

4- المآل السيء من تمكّن الخطاب العاطفي غير الناضج:

 أن نتيجة ممارسات الدولة المانعة لحرية النقد هي عرقلة نضج المعتقدات الإيمانية حيث تسمح لسيطرة الخطاب العاطفي غير العقلي معطيةً بذلك مكانة لمجيّشي الشعوب عاطفيًّا وبلا وعي، والذي يولد الدمار والمزيد من الأضرار.

وبعد هذا الإستعراض السريع، أجد نفسي أوافق أحمد في نتيجته مع مخالفتي له في ثلاثاً من أسبابها.

فعندما فحصت هذه الأسباب الأربع ظهرت أربعُ إعتراضاتٍ لمسلّماتِ ثلاثةٍ من هذه الأسباب:

– ما هو المقدس؟

يظهر لي أن المقصود في الحديث هو المقدّس المتباين عن العالم الموجود في مثيلات الأديان الإبراهيمية الثلاث، ولكنّي لا أظن أن المقدّس محصور على المتباين و المتعالي، فالإنسان -نظريًّا- قد يقدّس أيَ شيءٍ لأيِّ سببٍ كان، والقدسيّة هي إضفاء صفات الإحترام الروحي والحرام والكرامة والولاء والإلهام، فلا يُشتَرَط أن يكون المقدّس غير قابل للمساس به عند من يقدّسه ولو بسبيل الكلام فقط، فقد يقدّس المرء حالة شعوريّة -كحالة الفرح- مثلًا، فهكذا هي عُرضة ٌللكسر بأي إنتقاص، وطرح السؤال العقلي عن [قيمة هذا المقدّس إذا كان قابلًا للتَّضرر؟]، بعد مقدّمةِ (عدم عقلانيّةِ الإيمان)، طرح متعارض لا يصح.

– ما هو دور الدولة ؟

أرى تعارضًا بين الدوْران الموصوفان، فأحدها ضامن لأكبر قدرٍ من الحرية عن طريق تقليص تغوُّل الدولة بأي حجة كانت، والآخر مؤثِّرٌ على حرية الإعتقاد، ذات الطبيعة “الإيمانية” غير العقلية، بحجة المساعدة في إنضاجها بطريق السماح للإنتقاد أو الإستنتقاص، وهنا تعارض مع المفهوم المطروح للإيمان بأنه قطعيٌّ غيرُ قابِلٍ للتغير لا عن طريق العقلنة أو عن طريق الشعور والعاطفة.

– العقلي والمادي؟

أرى أن الطرح قد ساوى بين ماهو عقليٌّ وبين ماهو مادِّيٌ تحت معيار المختبر، وأرى في ذلك تضييق على المجال العقلي، فالمجال المادي لا يلتزم إلا بما هو محسوس في نطاق الشعور، أما العقلي فلا يلتزم إلا بمستحيلاته مع وجود فضاء للممكنات، تلك التي قد لا يقبلها المختبر.

وبعد ذلك أُضِيف:

*أنّي لا أرى المعيار المحسوس المادي هو المعيارُ الأوَّليُّ الأساسي، والذي تنطلق منه مقاربة الحقيقة وعمليات الإستدلال والبرهنة والتثبّت، بل أرى المعيار المنطقي العقلي أقرب وأوْلى.

*أنِّي أرى أن لكل فكر إنساني مسلّماتٌ إلتزاميّةٌ أخلاقيّةٌ، لا ملزمٌ منطقي لها. وفي حال إتفقنا على المسلَّمات الأولى للمنطق، أرى أن إيمانُنا يقف على قاعدة منطقية عقلية (غير مادية) صلبة ولا يقفز أكثر مما يقفز جميع البشر.

*أنّي أرى أن دور إنضاج الآراء بل والمعتقدات هو دور مجامع الدرس العلمي (ولا أقصد المادي) المنطقي لا دور الدولة.

*أرى أن حضور مؤسسات المجتمع المدني -بآليَّةٍ لا أعلمها حاليًّا- في عملية [إحترام الأدب والذوق العام] مهمَّة في رفع الحس الأخلاقي عند الشعب، والذي يتم برفع روح التسامح والتعاطف، ذلك للحول دون السب والشتم للمقدسات.

لماذا؟ لسبب أنها مؤذية لشعور المقدِّس لها حتى لو علم عند نفسه زيف الشتائم، ذلك كمثل من يؤذيه سب أمِّه على سبيل المثال مع علمه بزيف هذا السب. كل ذلك دون الغلو بالسماح للدولة بالتدخل.

إذًا، لماذا أوافقه؟

على مقدّمتي الخاصة، أنَّ الإيمان في الأساسِ يستند على قاعدة منطقية عقليَّةٍ صلبة. فالسماح بالنَّقد العقلي  للإيمان والمخالفة والإعتراض يُنضِجُه ويُطوِّره، كما طرح أحمد دون الإنتهاء إلى موقف التعارض لإختلاف مقدِّماتنا. وتغوُّلِ الدولَة وتدخلها لأي حجة كانت، لحماية المقدَّس أو لإنضاجه، يحول دون هذا التطوُّر والنضج، عن طريق التدخل المتحيِّز في عمليّة النقد. وهكذا ستؤول الأمور إلى سطوة العاطفة المعادية للتعقُّل، وأينما غاب عمل العقل حلَّت الخرافات والحروب والتخلُّف وبذلك مزيداً من الدمار.