لا أؤمن بالقدوات !!

قياسي

 

عن عائشة رضي الله عنها أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى الِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ أَصْوَاتًا ، فَقَالَ : ” مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ ؟ ” ، قَالُوا : النَّخْلُ يَأْبِرُونَهُ ، فَقَالَ : ” لَوْ لَمْ يَفْعَلُوا لَصَلُحَ ذَلِكَ ” ، فَأَمْسَكُوا ، فَلَمْ يَأْبِرُوا عَامَّتَهُ ، فَصَارَ شِيصًا ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : ” كَانَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ فَشَأْنُكُمْ ، وَكَانَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ فَإِلَيَّ ” ، و في لفظ مسلم :” فَقَالَ : مَا لِنَخْلِكُمْ ، قَالُوا : قُلْتَ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ : أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ ”

شخصياً ؛ أقرأ في هذه القصة تصريحاً منه صلى الله عليه وسلم بأنه حتى أكمل البشر ليس قدوة مطلقة. فالرسول صلى الله عليه وسلم قدوة ؛ بأخلاقه، بأفعاله ذوات الصلات الدينية، وفي تعاملاته وقيادته ..إلخ. ولكنه لم يجعل نفسه قدوة لمجال لم يجعله اهتماماً بأحد الأيام، كالزراعة مثلاً أو الحدادة !

كلنا نعلم بأن البشر أجمعين معرضين للخطأ، وللنسيان، أو للقيام بتصرف ليس بمكانه أحياناً .. فالبشر أولاً وأخيراً ليسوا معصومين من ذلك أبداً ؛ ولهذا فأنا لا أؤمن بالقدوات المطلقة أبداً.

شخصياً ؛ أعتقد بأن البشر أجمعين لم يكونوا أبداً للاقتداء والمماثلة، أؤمن بأنها المبادئ والأفكار هي التي يجب أن نتمسك بها ونمثلها. أما البشر فقد يكونوا في موقف ما انعكاساً لما نؤمن، إلا أن هذا لا يجعلهم مكاناً للاقتداء في غير ذلك الموقف.

القدوة بالنسبة لي ؛ ليس إلا رجل أحب أن أصل إلى أحد أفعاله التي تتقاطع مع طريقي، أو تجعلني أصل لأهدافي بشكل أسرع .. وليس في عالمي من قدوة أسعى لأن أكون عنه نسخة كربونية !

تلخيص محاضرة “السجون الأربعة” * ؛ علي شريعتي

قياسي


افتتح الدكتور علي شريعتي محاضرته بسؤال طرحه على الملأ، فسأل بالبداية “ماهو الإنسان ؟”، ويعتقد المحاضر بأن هذا السؤال من أقدم الأسئلة وأكثرها أهمية، فعلى حسب تعبيره ؛ إذا لم نفهم ماهو الإنسان ؟ وماذا يجب أن يكون ؟ أي إذا لم يكن لدينا اعتقاد واضح متفق عليه حول حقيقة الإنسان فإن جميع مساعينا لإصلاح الثقافة، لإصلاح التعليم، التربية، الأخلاق والعلاقات الاجتماعية، ستكون كلها عبثاً ومضيعة وقت.

وانطلقت الإجابة للسؤال بتبيين ماهو الإنسان، وبالتفريق بين مصطلحي “البشري” و “الإنسان” ؛ فالبشري برأيه هو ذاك النوع الحيواني الذي يمشي على اثنتين، ويسكن الأرض ويعيش فيها إلى الآن، أما الإنسان فهو حقيقة سامية عادية. فالبشر “كينونة” والإنسان “صيرورة”، بمعنى أنه ليس كل بشري إنسان، بينما كل إنسان يكون بشرياً بطبيعته. فيتميز الإنسان عن البشري البدائي أو بقية المخلوقات بثلاث مميزات :

(١) الوعي والإدراك

(٢) حرية الاختيار

(٣) الإبداع

وكل المميزات الأخرى هي مجرد تفرعات أو تشابكات عن هذه الثلاث. فالوعي نتيجة للبحث والتعلم، أما الاختيار والإبداع فهما فطرتان تتشكلان بالوقت .. “ولو سلبنا الإنسان إرادته واختياره، كنا سلبنا من الإنسان ذاته” كما عبّر المؤلف.

وبعد هذه المقدمة الطويلة ؛ دخل المؤلف في صلب الموضوع، وهو “السجون الأربعة” للإنسان، والتي قد تمنعه إنسانيته، وهي :

(١) جبر الطبيعة أو سجن البيئة ؛ فقد تشكل الجمادات المحيطة بأحدهم سجناً له، تمنعه من إنسانيته.

(٢) جبر المجتمع ؛ وهو أن يكون مجتمع الإنسان له سجناً، فيجعل اختلافه عنهم محرماً، ومخالفتهم محظورة، ورضاهم وسخطهم معياري نجاحه.

(٣) جبر التاريخ ؛ وهو أن يظن أحدهم بأن مصيره محدد من قِبل أجداده وماضيهم.

مزيد من الإيضاح بشأن السجن الأول والثالث ؛ يعتقد البعض بأننا نستلهم أسئلتنا من محيطنا، ونجيب على أسئلتنا عن طريق دائرتنا المعرفية التي يحددها محيطنا، وبذلك نكون سجناء لمحيطنا وبيئتنا.

(٤) سجن النفس ؛ وهو الأنانية بمعنى آخر، ويعتبره المحاضر الأسوأ بين الأربعة سجون، فكل السجون الثلاث السابقة يمكن تحطيمها بالعلم والتعلم، بينما الأخير سجن لا يحطمه العلم، وإنما يحطمه الحب واهتمام الإنسان بمن حوله، فتعريف الحب برأي الدكتور علي شريعتي هو ؛ “إعطاء كل شيء من أجل هدف وغاية دون طلب مكافأة”، وهذا برأيه ما يحطم آخر سجون المرء ويطلقه حراً إنساناً مرة أخرى ..!

(*) : من كتاب “الإنسان والإسلام”

يومٌ آخرٌ منشود

قياسي

اعتاد على جفاء النوم عن عينيه بالليالي التي ينتظر أمراً مهماً بصبيحتها، اعتاد على ذلك عندما تختلط غمضة عينيه بشيء من القلق أو الخوف، إلا أن نومته الليلة تبدو مختلفة بعض الشيء عن غيرها من ليالي الأرق ؛ فهذه ليلة من السعادة، تؤرقه فيها خيالاته السعيدة أو لحظاته المرحة التي رسمها، انتظرها، وصاغ لكل احتمالات سيرها ردة فعل تبدو لها مناسبة.

وفقدت هذه الليلة نكهتها السنوية عليه بمرور السنين، فقد أغمض جفنيه بكل استسلام للنوم، وأعلن توقفه لانتظار الأرق بليلته هذه، تمتم بوهن متسائلاً ؛ أهو اعتياد منه على مثل هذه الليالي ؟ أهو الأرق الذي اختفى من ليلته، أم هو انتظاره لمثل هذه الليالي الذي اختفى ؟

نحن من تغير يا صديقي، نعم تغيرنا .. ولكن للأسوأ .. ولهذا فقدنا فرحتنا بليالي العيد !!

فقدنا أنفسنا من بين جنبينا، وحلت مكانها كراهيات وأحقاد أفقدتنا إنسانيتنا. هذا ما غيرته الأيام، لن يشعر بشيء من السعادة من لم يملأ أيامه أملاً وحباً وحياة، لا وجود لذاك اليوم الذي تتغير فيه مسيرة حياتنا مالم نغير من أفكارنا التي تقودنا.

ابحثوا عن الإنسان الذي فقدتموه بتكالب الأيام عليه، ابحثوا عنه بعفوٍ وحبٍ ورحمة، ابحثوا عنه بترك الأنانية التي تغزونا والمادية التي تضيق علينا حياتنا، ابحثوا عن جمال إنسانيتكم، وراجعوا تلك الأفكار التي تجعل من نفسها فوق الإنسان نفسه، فلم تكن الأفكار إلا وسيلة لتجعل للإنسان مستقبلاً أفضل .. لا تفقدوا إنسانيتكم ..!

بغير ما فيه

قياسي

تدوينة نشرتها يوماً ما بمدونة “الشباب يتحدث

مشاهد كثيرة تشربناها صغاراً ؛ مشهد الأب الذي يشقى كثيراً ليرسم لابنته سعادة تزدان على شفاهها, أو مشهد الطفل وارتماءته في حضن أمه التي ملأت دنياه حناناً بابتسامتها وتربيتتها على كتفيه.

كثيرة هي القصص التي روتها لنا الرسوم المتحركة, وكثيرة هي اللحظات السعيدة للأسَر الرائعة التي رسمتها في مخيلاتنا ؛ الطفل الذي يحركه اشتياقه ليبحث عن أمه ودفء حضنها, والقسوة التي يحياها في بعده عنها, وفرحتها ودموعها لحظات اللقاء .. والكثير من المشاهد الأخرى التي تحكي لنا عن سعادة الأسر وعن اللحظات الرائعة التي تكون في لقاءاتهم, وعن الفرحة والابتسامة التي دائماً ما يرونها في أعين بعضهم.

صحيح بأننا استمتعنا قديماً بهذه الرسوم وبمشاهداتها, لا أنسى تسمُّرنا أمام الشاشات متابعين لها, حتى أن أحاديثنا وقتها لم تكن بالغالبية في غير ما نشاهد. لكنها في نفس الوقت صنعت بدواخلنا صراعاً داخلياً بين المثالية التي رسمتها وبين الواقع الذي نعيش ؛ وبقراءة سريعة لحال الأسرة بيننا نجد فيهاً تهميشاً لبعضها بداخلها, غالباً ما يكون الأب هو المسيِّر لهذه الأسرة, وعلى البقية الطاعة والانقياد للقرارات والأوامر, وحتى لو عارض أحدهم قرار لم يستسغه فغالباً ما يكبت رغبته واعتقاده, راضياً بالواقع في سبيل شيء من الأمن وبعضاً من الماديات.

وفي الكثير من الأيام التي نعيشها نجد استعلاءً لكل فرد على من يصغره سناً, وانعداماً للحوار بين أركان الأسرة العربية والكثير من التعاملات التي نجدها في أسرنا, وفي محيطنا الخارجي عند خروجنا !

يقول مالك بن نبي بما يسمى نظرية قابلية الاستعمار : “ليس ينجو شعب من الاستعمار وأجناده, إلا إذا نجت نفسه من أن تتسع لذل مستعمر, وتخلصت من تلك الروح التي تؤهله للاستعمار”.

وبتوسيع دائرة النظرية السابقة ؛ أستطيع القول بأنه : لا ينجو شعب من أن يسيّر بغير فكرته وقناعته, إلا إذا نجت نفسه من أن تتسع لأن تحكم بفكرة مخالفة, وتخلصت من أن تؤهله للانقياد بصمت. (وأستطيع القول بأننا بدأنا في تخلصنا من تلك الروح الخبيثة)
يقول مالك بن نبي في جهة أخرى : “الحكومة مهما كانت ماهي إلا آلة اجتماعية تتغير تبعاً للوسط الذي تعيش فيه وتتنوع معه, فإذا كان الوسط نظيفاً حراً فما تستطيع الحكومة أن تواجهه بما ليس فيه”.
ولهذا أقول بأننا في ربيعنا العربي بدأنا بالتخلص من تلك الروح. وأقول لكل من ثار وانتصر بأن تكون أسرته انعكاساً للمفاهيم التي رجا تغييرها, حتى لا تشهد الأرض ذات الاستبداد القديم تحركه وجوه جديدة .. وكما قال آينشتاين : “لايمكنك حل المشكلة بنفس العقلية التي اختلقتها”.
ولهذا أقول لكل راجٍ للتغيير بأن يكون جزءاً من ذلك التغيير, لنبدأ بأنفسنا وفي أسرنا ؛ لنتعامل مع واقعنا بحكمة, ولننشر تلك القيم والمعاني التي نرجوها بيننا, فلنعدل في تعاملاتنا مع بعضنا, ولنترك لبعضنا حرية اختيار الأفكار والقناعات, ولنتعامل مع بعضنا بحب واحترام, ولنجعل لكل شخص مكانته الراقية كإنسان, وليكن قرار الأسرة قرارٌ لكل من فيها .. بغير استثناء !
في النهاية ؛ ما المجتمع غير منظومة كبيرة تتراص فيها الأسر مكونة له, ولا يكون للأسرة معناها بغير من فيها بلا استثناء, وما الأسرة الواحدة الآن إلا عدة أسر مستقبلية.
غيّر ما لا ترضى بتغييرك لما في نفسك, واكتب في كل مكان بأنه لا يُحكم شعب بغير ما فيه.

حساب مدونة (الشباب يتحدث) على تويتر @ShbabTalk

قصيدة “قصة الحرية” ؛ للشاعر أحمد مطر

قياسي

أخبرنا أستاذي يوماً .. عن شيء يدعى الحرية
فسألت الأستاذ بلطف .. أن يتكلم بالعربية
ما هذا اللفظ وما تعني ؟ .. وأي شيء حرية ؟
فأجاب معلمنا حزناً .. وانساب الدمع بعفوية
قد أنسوكم كل التاريخ .. وكل القيم العلوية
أسفي أن تخرج أجيال .. لا تفهم معنى الحرية
لا تملك سيفاً أو قلماً .. لا تحمل فكراً وهوية
وعلمت بموت مدرسنا .. في الزنزانات الفردية
فنذرت لإن أحياني الله .. وكانت بالعمر بقية
لأجوب الأرض بأكملها .. بحثاً عن معنى الحرية

وقصدت نوادي أمتنا .. أسألهم أين الحرية ؟
فتواروا عن بصري هلعاً .. وكأن قنبلة ذرية
ستنفجر فوق رؤوسهم .. وتبيد جميع البشرية
وأتى رجل يسعى وجلا .. وحكى همساً وبسريّة
لا تسأل عن هذا أبداً .. أحرف كلماتك شوكية

فذهبت إلى صناع الرأي .. وأهل الصحف الدورية
ووكالات وإذاعات .. ومحطات تلفازية
وظننت بأني لن أعدم .. من يفهم معنى الحرية
فإذا بالهرج قد استعلى .. وأقيمت سوق الحرية
وخطيب طالب في شمم .. أن تلغى القيم الدينية

فوقفت بمحراب التاريخ .. لأسأله ما الحرية ؟
فأجاب بصوت مهدود .. يشكو أشكال الهمجية
إن الحرية أن تحيا .. عبداً لله بكلية
وفق القرآن ووفق الشرع .. ووفق السنن النبوية
الحرية نبت ينمو .. بدماء حرة وزكية
اسمع ما أملي يا ولدي .. وارويه لكل البشرية
إن الحرية أزهار .. ولها رائحة عطرية
كانت تنمو بمدينتنا .. وتفوح على الإنسانية