افتتح الدكتور علي شريعتي محاضرته بسؤال طرحه على الملأ، فسأل بالبداية “ماهو الإنسان ؟”، ويعتقد المحاضر بأن هذا السؤال من أقدم الأسئلة وأكثرها أهمية، فعلى حسب تعبيره ؛ “إذا لم نفهم ماهو الإنسان ؟ وماذا يجب أن يكون ؟ أي إذا لم يكن لدينا اعتقاد واضح متفق عليه حول حقيقة الإنسان فإن جميع مساعينا لإصلاح الثقافة، لإصلاح التعليم، التربية، الأخلاق والعلاقات الاجتماعية، ستكون كلها عبثاً ومضيعة وقت“.
وانطلقت الإجابة للسؤال بتبيين ماهو الإنسان، وبالتفريق بين مصطلحي “البشري” و “الإنسان” ؛ فالبشري برأيه هو ذاك النوع الحيواني الذي يمشي على اثنتين، ويسكن الأرض ويعيش فيها إلى الآن، أما الإنسان فهو حقيقة سامية عادية. فالبشر “كينونة” والإنسان “صيرورة”، بمعنى أنه ليس كل بشري إنسان، بينما كل إنسان يكون بشرياً بطبيعته. فيتميز الإنسان عن البشري البدائي أو بقية المخلوقات بثلاث مميزات :
(١) الوعي والإدراك
(٢) حرية الاختيار
(٣) الإبداع
وكل المميزات الأخرى هي مجرد تفرعات أو تشابكات عن هذه الثلاث. فالوعي نتيجة للبحث والتعلم، أما الاختيار والإبداع فهما فطرتان تتشكلان بالوقت .. “ولو سلبنا الإنسان إرادته واختياره، كنا سلبنا من الإنسان ذاته” كما عبّر المؤلف.
وبعد هذه المقدمة الطويلة ؛ دخل المؤلف في صلب الموضوع، وهو “السجون الأربعة” للإنسان، والتي قد تمنعه إنسانيته، وهي :
(١) جبر الطبيعة أو سجن البيئة ؛ فقد تشكل الجمادات المحيطة بأحدهم سجناً له، تمنعه من إنسانيته.
(٢) جبر المجتمع ؛ وهو أن يكون مجتمع الإنسان له سجناً، فيجعل اختلافه عنهم محرماً، ومخالفتهم محظورة، ورضاهم وسخطهم معياري نجاحه.
(٣) جبر التاريخ ؛ وهو أن يظن أحدهم بأن مصيره محدد من قِبل أجداده وماضيهم.
مزيد من الإيضاح بشأن السجن الأول والثالث ؛ يعتقد البعض بأننا نستلهم أسئلتنا من محيطنا، ونجيب على أسئلتنا عن طريق دائرتنا المعرفية التي يحددها محيطنا، وبذلك نكون سجناء لمحيطنا وبيئتنا.
(٤) سجن النفس ؛ وهو الأنانية بمعنى آخر، ويعتبره المحاضر الأسوأ بين الأربعة سجون، فكل السجون الثلاث السابقة يمكن تحطيمها بالعلم والتعلم، بينما الأخير سجن لا يحطمه العلم، وإنما يحطمه الحب واهتمام الإنسان بمن حوله، فتعريف الحب برأي الدكتور علي شريعتي هو ؛ “إعطاء كل شيء من أجل هدف وغاية دون طلب مكافأة”، وهذا برأيه ما يحطم آخر سجون المرء ويطلقه حراً إنساناً مرة أخرى ..!
—
(*) : من كتاب “الإنسان والإسلام”