قال لي أستاذي مرة بأن أحلامنا جزء من خيالنا .. بأن خيالاتنا التي لا تجد متسعًا للحركة على أرض الواقع تبحث عنها وتجدها في مناماتنا ؛ ولهذا يجد بعضنا بها أجوبته، وقد يجد فنانٌ بها لحنه، رسمته، أو حتى على خاتمة روايته.
وأنا بالأمس حلمت بكِ .. كما حلمت بكِ في لياليّ الماضية، وكما زارني طيفكِ بشكل متكرر مؤخرًا.
في أولى زياراتكِ بمنامي، اخترت لكِ الطاولة التي ضمت لقاءنا الأول، نفس الطاولة، القهوة، والموسيقى الهادئة.
كنا هادئين ؛ لم تقاطع صمتنا إلا بعض الكلمات، التمتمات الخافتة، أو الترنيمات الموسيقية. كان لقاءٌ يسوده صمت مريب، لكننا استمتعنا بكل لحظاته، استمتعنا بصمتنا الغريب، مفضلينه على بعض الكلمات السخيفة التي تشوه المعاني .. فتركنا شؤون حوارنا لعينينا.
قالت لي الكثير عيناكِ ؛ في عسليتيك شيء لم يمت، شيء متصل بكل معاني الحياة، بكل إيمانات الأرواح، شيء مات بداخلي من قديم الزمان.
من حينة لأخرى ؛ كنت ترشفين شيئًا من قهوتك، وتتركيني أستقي من عينيك معانيها. أنا رجل ماتت فيه كل إيماناته، وأطلبك لتكوني كل إيماني، ولحياتي معانيها. علميني كيف أكون، علميني، علميني واسقيني، فأنا صغير عنقاء لم تعرف سببًا تنفض لأجله رمادًا وُلدت فيه من جديد .. كوني أنتِ كل أسبابي، اسقيني، شكليني كما تشائين، يكفيني أنا من ذلك استحسانك.
آنستي .. يا خلاصة كل المعاني. ارميني في عينيك غريق، ولا تسمحي لمخلوقٍ بإنقاذي وانتشالي منها، شهادتي في مقلتيك حياة، لا أتمنى نهاية لي غيرها. أنا على الجانب الخاطئ من التاريخ، لاجئ إليك يطلب عاصمتك، ضميني في إمبراطوريتك، في بلاطك، توجيني فارسه الوحيد، يكفيني أنا من هذا أن أكون بين أسوارك. أنا رجل بلا أمنية، بعدما أنكرته كل أمانيه، حتى صرت أنت أمنيتي الوحيدة، فاقبليني، لا تكسريني، لا تكسري كسيرًا لا تصله بالحياة إلا أمنية، مصيرها بين يديك ..!
سماوية ملائكية، حطت بأجنحتها على منطقة محرمة فيّ، دمار وحطام لم يسكنها أحد، فأقامتها، واستولت على كل شبر فيها.
أنستي ؛ يا واقفة على سعادتي القتيلة، كوني لي أنتِ سعادتي.
تمتمتُ عند أسوارك ؛ بأني أحبك، ولم أحبب إلاكي، ولم تجذبني قبلًا إلا خيالاتك.
أريد أن أخبرك بأني أحبك، لطالما فعلت. وسأعلن ندمي وأعترف، فقد كنت سجانًا لكثير من كلمات العشق والهيام، “أحبك جدًا”.
أريد أن أخبرك بأنني أحبك، أنت فقط. أريدك أن تسمعيها من شفتاي، وتتركيني أرتمي على كتفك وأبكي. أبكي لعجز مفرداتي عن توصيف حبي وما أكنّ لك، أبكي كما يفعل كل فقير لطرق التعبير .. أبكي، فالبكاء أكثر ترتيبًا من كل الكلمات !
على باب مطعم نحب ارتياده، على شاطئ المدينة التي نحب، وعلى الموسيقى واللحن الذي نحب .. وعيناكِ مرة أخرى !
هذه المرة ؛ بدت الأوصاف عاجزة أمام سعادتنا، فهذه عيناي تنضحان حياة مرة أخرى، وعيناكِ تزدانان رونقًا وجمالًا. وتسألين ما أنت أدرى بأجوبته ؛ إذا ما كنت أحبك، وعن أسعد أيام حياتي. فأضيع حائرًا لا أعرف كيف أبدأ إجابتي الركيكة ؛ لا الإيجاب وحده كفيل لأن يجيب سؤالك الأول، ولا أولى لقاءاتنا للأخيرِ عادلٌ أمام سعادتي التي تكبر كل يوم، وتطير !
سيدتي ؛ يا سيدة كل الترانيم والأغاني. يكفيني طربًا تغنيّ بأحرف اسمك اللؤلؤي. يكفيني أني عشقتك، لأكون عازفًا على كل أوتار الحياة، لأكون رمزًا تغني له أساطير الأغنية العريقة.
سيدتي ؛ يا ملاكي الحارس والناعم. وقفت لي على باب حياتي يومًا، فاستوطنتك روحي وأفكاري، ونشدت في حناياكِ سعادتها الأبدية.
سيدتي ؛ يا عطر الحب والحسنات. هاتي يديك، خبئيني، كوني ماهيتي، أحبيني، وليبدأ التاريخ من شفتيك.
سيدتي ؛ يا ميزان الفكر والإلهامات. اجعليني ورقتك البيضاء، أتمايل بين دفتي جنوني وعقلانيتي فيكِ.
أكره أن تتسلل ورائي مشاعر في عودتي من خيالاتي .. إلا أني أيقنت بها أنك أمنيتي الوحيدة، فأحبيني، فالحب يحقق لنا ذواتنا التي أطلنا عنها الغياب، وتهنا عنها.
د.مصطفى الحسن (أستاذي صاحب الافتتاحية) : @alhasanmm