* هذه التدوينة للصديق “فيصل الغامدي” @faisalGH
عن فكرة الموت ، محاولة لفهم الحياة بشكل أعمق :
تبدو فكرة الموت هاجسًا دائمًا يلازمنا طيلة رحلة الحياة ، يغدو- ومن بين كل منغصاتها ومخاوفها- الأكثر تأثيرًا على قراراتنا واعتقاداتنا، بل ونظرتنا إلى الحياة نفسها. فكرةُ الموت تعني أن ينتهي هذا العالم الذي لا يعرف الإنسان غيره ولم يدرك سواه ، وفيه نمت قدرته على الإدراك والوعي والتجريد، وإليه ينتهي كل ذلك.
يضيف الكاتب المغربي عبد السلام المُساوي معنىً فلسفيًا آخرًا للموت وعلاقته الضرورية الوجودية مع الحياة، حين يقول : “إننا لم نولد أحرارا قطّ، إننا محكوم علينا بالحياة، قبل أن نكون محكوما علينا بالموت. قولة قد تبدو بسيطة في صياغتها ولكنها تشير إلى مدلول فلسفي عميق، صرخة مفعمة بغير قليل من الشعور المزدوج بالاغتراب. فهو اغتراب الإنسان الذي لم يختر ولادته فوجد نفسه مورطا في هذه الكينونة المفروضة، وهو اغتراب الإنسان الذي صار محكوما عليه بالموت بمجرد أن دوى الوجود بصرخته الأولى. “
وبالرغم أن فكرة الموت قديمةٌ قِدَم الحياة نفسها ، إلّا أن كل المعرفة الإنسانية المتراكمة لحقيقته لم تتقدم من خلال فلسفته وبحثه المنطقي بل جاءت من عالم آخر،عن طريق الوحي والرسائل الإلهية. فمن ناحية فلسفية كان الصراعُ في تعريف الموت دائرًا حول الفترات التي يصنعها حدوثه، وليس في حقيقته ، فالفلاسفة الماديون ينظرون إليه كفكرة انتهاء ووداع لهذا العالم المادي ، على النقيض من أولئك الذين ينظرون إليه كبداية حياة حقيقية وخالدة ، في كلا الحالتين تظل فكرة الموت نفسها غامضة متمردة على أي تعريف يسع حقيقتها هي بحد ذاتها، دون التعريف بها كنهاية أو بداية أو ضد.
تقترب فكرة الموت من حياتنا ، تأخذ منا رفاقًا وأحبابًا، تأخذهم بشكل ما إلى عالم آخر لا نعرف عنه إلا نصوصًا لا تقوى خيالاتنا على احتمال وجودها في عالمنا . تقترب فكرة الموت من حياتنا فتصدمنا رغم إيماننا التام بأنها ستأتينا يومًا ، فنتعامل معها وكأننا كنّا نجهل قدومها ،ونتمنى حدوث معجزة استثنائية ، ليتجاوز الموت من نحب هذه المرة ، نعلم أن هذا لم يحدث مرة في العرف الإنساني ولن يحدث ، إلا أن فكرة الاستثناء هذه تظل حاضرة دائمًا ، تقول بضعفنا أمام جبروت الموت وجهلنا له.
لا نستطيع أن نحكم على فكرة الموت ، ليس لها أجندة معروفة في عالمنا لنحكم عليها أو ننتقد ، عادلةٌ هي بشكل ما، قريبة جدًا .. ومُقلقة، إيماننا المسبق بوقوعها يساعدنا على تجاوزها أحيانًا ، نسلم بحدوثها دون أن نطمح لنعقل أسبابها وكيفيتها ، فهي تنتمي لعالم لا نعرف عنه شيئًا لنتحاكم إليه ، والأمر المقلق أننا سنقدم عليها لا محالة ، دون حتى أن نرجع لنخبرعنها أو أن نضيف إلى المعرفة الإنسانية أي شيءٍ عنها.
ويصدف أنه من يعيش الحياة بأكثر طريقة مثالية يستطيعها ، يبدو هو الأكثر استعدادًا للموت ! ، مارك توين يخبرنا ذلك بشكل ما حين يقول أن الخوف من الموت نابع من الخوف من الحياة ، والرجل الذي يعيش بشكل مثالي مستعد للموت في أي وقت! ، وكأن الموت امتدادٌ آخر للحياة ، ونتيجة يجب أن لا نقلق بشأنها إذا عالجنا السبب(الحياة) بأفضل طريقة استطعناها. نستطيع القول أن الأديان جاءت قبل هذا لتحذر من الموت وتخبر أن الحل في العيش كما نُؤمر وعندها فقط سيكون الموت نهاية سعيدة ، بل هو في الحقيقة “حياة” ! كما في حالة الشهادة في سبيل إحياء هذه الأديان. لأجل الموت نحن نحيا كل يوم بتجرد وسمو عن كل ماديات هذا العالم ، نحاول أن ننتمي من الآن إلى ذلك العالم الغيبي المجرد بالرغم من كل ما يدعونا هنا لندنو وننسى.
ستيف جوبز- مؤسس شركة أبل- يُخبر عن أهمية وجود هذا المعنى من خلا ل تجربته قائلًا:” إن تذكُّرُ حقيقة أننا جميعاً سنموت قريباً هي أهم فكرة ساعدتني على صنع القرارات الكبرى في حياتي. لأن كل شيء يتملك الإنسان، سواء من التوقعات العظيمة، أو الاعتداد بالنفس، أو الخوف من تداعيات الفشل، كل هذه الأمور تضمحل في وجه الموت، لتترك الحقيقة الأهم، وهي التذكر بأنك سوف تموت بلا شيء، وهذه أفضل طريقة ساعدتني على الإبداع في هذه الحياة، إذ حينما أصل إلى لحظة الموت، فليس لدي ما أخسره.ليس الموت مفيداً وحسب وإنما الموت فكرة فلسفية عميقة، تجعلك تشعر بأن وقتك محدود جداً في هذه الحياة، فلا تضيعه لتعيش متلبساً بحياة وأفكار الآخرين. لا تتورط بالدوغمائية، أو محصلة العيش بالفكر الذي يعتقده الآخرون، ولا تجعل الضوضاء لأصوات الآخرين تغرق صوتك الحقيقي بداخلك.”
نستطيع أن نختم ونقول أنه من دون فكرة الموت يبدو معنى الحياة ناقصًا وغير منطقي ، ويظل إدراكنا ووعينا للحياة مُعلّقًا بفكرة الموت بشكل عميق وفلسفي ،وبالرغم من أن فكرة الموت لا تزال غامضةً وُمقلقةً ، فما زالت تضفي للحياة معانيها ، وقيمتها ، تجعلنا نهتم ونحرص لأن تكون لأعمالنا معنى ، وتقف هذه الفكرة خلف قائمتنا الطويلة بأمنيات الحياة، من أجلها نقدس اللحظة ونحسب الزمن ، ومن أجلها نلوم أنفسنا كلما ضيعنا أوقاتنا ، أي كلما اقتربنا من فكرة الموت أكثر!
خير الكلام ماقل ودل
وانت اطلت واوفيت
احيك فقدت راق لي مادون اعلاه
اسمح لي ان اكون من زمرة متابعينك
احتراماتي
فيصل كتاباته جبّارة
كتابة اكثر من رائعه ،، احييك الى الامام يابطل