أرقام خضراء

قياسي

يقص الدكتور غازي القصيبي في كتابه الأشهر (حياة في الإدارة)، قصته مع أول محاولة رشوة تعرض لها ؛ ما لفت انتباهي الشخصي في كل القصة كان توابعها ؛ “فور عودتي إلى المنزل قلت لزوجتي : عندي خبر عجيب ؛ أضعت اليوم مليوني ريال !، أدركت زوجتي على الفور ما حدث، وقالت : لا يهم، لا أعتقد بأننا سنموت جوعاً” أ.هـ.

بعيداً عن الرقم الذي كان يخزنه الكاتب في حسابه المصرفي، والذي يقسم بدوره بأنه لم يكن يتجاوز عشارات الآلاف من الريالات، وبعيداً عن بقية تفاصيل حياته المادية ؛ فالرد الأخير أخذ بيد تفكيري ليسرح به في خيالات كل الماديات التي طمحت إليها يوماً، حول الأموال التي سأبعثرها إن أنا تملكت مبلغاً كبيراً من المال، أقرب منه إلى اللانهائية منه إلى الأرقام التي نعرفها. تخيلت كل شيء ولم أصل إلى مبلغ من المبالغ الجنونية التي نسمعها، فاستيقظت بعدها وأنا أفكر في كل هذه الأوراق الخضراء وكيف تحولت من كونها مادة لتلبية الرغبات إلى كونها رغبة بحد ذاتها.

أذكر أبي وهو يوصيني بألا أشتري إلا ما أحتاج وأعرف يقيناً بحاجتي له، وطريقته في الأسئلة الثلاثة التي تحدد الاحتياج ومقداره وعن إضافة ما أنوي شراءه لحياتي. وأذكر في نفس الوقت وصية جدتي بألا أبخل على نفسي ما دمت قادراً ولن أظلم محتاجاً بشرائي هذا .. وأعتقد بأن هاتين الوصيتين تشكلان منظومة تدير عملية الشراء التي يجب أن تكون !

حساب والدي (سعيد بادغيش) في تويتر : @lovemybees 

أصابة بالجنون

قياسي

 

 

كيوم عادي من أيام السنة, المشهد المتكرر ذاته لكل يوم, ابنتاه اللتان تنزلان لمدرستهما وسباقهما لباب المدرسة, التفاتة الصغرى منهما وتلويحها بيدها مودعة إياه في مشهد طفولي رائع وبريء, ابتسامته التي يبادلها إياها بكل صباح .. تلك الابتسامة التي تخفي بداخلها حزناً يعتريه, وهموماً بعمله تكاد تغرقه فيها

 

لم ينتشله شيء من تلك الهموم منذ فترة طويلة, لم ينتشله شيء منها كتلك المكالمة التي فاجأته لتخبره باحتراق مدرسةٍ ما بالجوار .. أو بالأصح ؛ لتخبره باحتراق المدرسة التي تابع ابنتاه تدخلان إليها صبيحة ذلك اليوم

 

لن يستطيع وصف الأفكار التي تتصادم في مخيلته عن لحظة وصوله

أصابه الجنون بالفعل ؛ قاد سيارته بسرعة جنونية ليصل للمدرسة

أصابه الجنون بالفعل ؛ فحتى السيارات وزحامها لم يمنعانه من الوصول للمدرسة, فترك سيارته للزحام وصار يجري بكل سرعةٍ تطيقها قدماه

أصابه الجنون بالفعل ؛ فقد استلزم تدخل الكثير ليعدلوه عن قراره بالدخول للمدرسة التي تأكلها النار

 

انهارت مشاعره .. خسر حياته لفترة .. فسقط على ركبيته يبكي بضعف

 

 

تخيلوا الفرحة التي غمرته وهو يحتضن ابنتيه, تخيلوا الدموع والقبلات, تخيلوه يتلمس وجهيهما بشيء من عدم التصديق

 

تخيلوا ذلك المشهد الذي يسألنا بغضب عمن فجع هذا بابنتيه ؟

 

تخيلوا المشهد الذي يسألنا بامتنان عمن رسم له ابتسامته

 

تخيلوا بنات المدرسة وقد أضحوا أمهاتاً تنتشر في بناتهن اسمي : ريم وغدير

 

لقد أصبحنا اليوم على أسطورتين سطرتا اسميهما بحروف من المجد, أصبحنا على قدوتين تستحقان منا كل الاحترام والتقدير .. فحري بنا افتخارنا بالمعلمتين اللتان كانتا حقاً معلمتين في ذلك المشهد البطولي.

 

* تدوينة قديمة نشرتها بتاريخ ٢٥ ذوالحجة ١٤٣٢هـ .. تعقيباً على خبر احتراق مدرسة ابتدائية للبنات بمدينة جدة، وأعيد نشرها في الذكرى الأولى للحادثة.

روابط للخبر : (١)(٢)(٣)

فكرة “الحقوق والواجبات” عند مالك بن نبي

قياسي

ابتدأت القصة ببلاد الجزائر العربية، وتحديداً في فترة الاحتلال الفرنسي للمنطقة (١٨٣٠م-١٩٦٢م).

ابتدأت بشعبٍ اشتاق لمستقبلٍ أفضل، ولم يطق عن ذاك بعدًا ولا فراقًا، فصار يجوب شوارع النهضة بحثًا عنه، عله يلتمس له أثرًا.

وفعلًا ؛ بدأت حركة التغيير الشعبية، التي افتتحت مشوارها بتغيير كل ما هو مقدور عليه، وشكلت تلك التغييرات منظومة تغيير كبيرة تقود الدفة إلى المستقبل. انتشر حس المسؤولية في الجمع ؛ فرمموا، وزرعوا، وأشادوا وأقاموا .. وكانت فعلياً حركة شعبية طاهرة.

ولاح لهم مستقبلهم المشرق، وفاحت في شوارعهم رائحته العطرة الأخاذة برونقها وجمال روحها، وضاق بذاك الفوحان محتلي أراضيهم، فسعوا بدورهم لكتمانها ؛ بأن أشاروا على الشعب الجزائري بالتوقف عن حركته الشعبية الهمجية بوصفهم، وبأن يرشح برلمانًا أو مجلسًا يقود لهم حركتهم الشعبية بشيءٍ من العقلانية والتخطيط. واقتنع الشعب الجزائري بتلك الفكرة سريعًا، بشيءٍ من البراءة والطهر الطفولي.

وتخلى الشعب عن حركته الطاهرة، بداعي التخلص من البربرية، وتخلى عنهم ذلك البرلمان أو المجلس، وضاع مستقبلهم .. أو تخلى عنهم هو الآخر إن أحسنا التعبير. وتوقف الشعب عن التغيير، ولم يتوقف ألمهم لحالهم، أو مطالبتهم بمستقبلهم الضائع .. وبتعبير (مالك بن نبي) ؛ فقد توقفوا عن أداء “واجباتهم” ولم يتوقفوا عن مطالبتهم “بحقوقهم” بعد.

فخط بذلك قانونه ؛ بأنه لا يحق لشعب مطالبته بحقوقه، مالم يقم هو بواجباته.

—–

تعقيبي على الفكرة

الفكرة ببساطة هي ألا تنتظر أحداً ليحدث لك تغييراً، وبمعنىً آخر ؛ أن تكون أنت التغيير الذي ترجوه للعالم.

كتبت هذه الكلمات لما رأيت من ليٍّ لمعانيها، فجعلوها مطالبة بالتوقف عن المطالبة بالحقوق .. بينما عنت هي بالتغيير وبأن الله لا يغيير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم ؛ من أفكار بليدة بدايةً كما أعلن في أكثر من موضع مفكرنا العربي مالك بن نبي.

حسابان ينشران أفكار (مالك بن نبي) رحمه الله على تويتر @malekBN  @malek_ben_nbi

كله بدأ من هنا

قياسي

 

 

الكثير من الومضات هنا وهناك, دخل بهدوء حتى أن البعض لم يلحظه, أجاب عن كل الأسئلة, أثار إعجابي في رده عندما سأله أحدهم : الكثير من الأخطاء التحكيمية في المبارة, هل أثرت على نتيجة اللعبة ؟ رد عليه بشيء من الضيق : لا ينبغي أن نلوم غيرنا على الخسارة, فقد كانت لدينا تسعون دقيقة كاملة ولم نستطع تسجيل هدف فيها

 

صعب هو الاعتراف بالخطأ, لا أحد ينكر ذلك, لكن لا يمكنك تغيير ما لا تعترف به

 

أتضايق كثيراً في الآونة الأخيرة من مصطلحي “المؤامرة” و”الأعداء”. لأنني على كثر تداولهما لم أعرف الكثير من الأعداء الذين يحيكون المؤامرات لاستئصالنا وإنهاء التشريعات الإسلامية .. إلخ

 

أنا أؤمن بأن كل أمة لن تسعى لغير أمجادها, ما هم الشعوب غير الحياة السعيدة ؟ وما هم الحكومات – غالباً – غير إرضاء الشعوب ؟

 

غبي من يصرف قوته للإطاحة بأناس لأجل الإطاحة فقط, لا توجد في العالم الكبير تلك الضحكات إذا تعثر أحدهم أو ارتضم بشيء ما

 

كل أمة لن تسعى لغير قوتها هي, وبطبيعة الحال ؛ ستزيح كل من يقف في طريقها, صدقوني .. لن تتدافع أمتان تختلف أهدافهما ولا تتقاطع طرقهما

 

دعوني أوضح امراً .. إذا انزعجت أوروبا من التكتلات اليهودية ومطالبهم المتكررة, وقامت بالتخلص منهم في قلب الشرق الأوسط, فهذا لا يعني إلا أن بلادنا كانت أرضاً خصبة لإقامة دولة للصهاينة. وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تهدف للحصول على المزيد من النفط لتلبي احتياجاتها الخاصة, فلا تلوموها لأنها افتعلت حرباً مع الإرهاب لتدخل أراضينا باحثة عن خيراتها, فأرضنا الغنية لم نحسن الاستفادة منها, ولم نولها ذرة اهتمام أصلاً. لا تلوموا غيرنا .. فنحن ناديناهم ليجيؤوا

 

وجهة نظري البسيطة تقضي بأننا يجب أن نسعى لقوتنا وقوتنا فقط, أن ننظر إلى أنفسنا كبداية, ونمشي في الطريق الذي يصلنا بالحضارة المنشودة, كل ما يجب علينا هو أن نبدأ ؛ وستبدأ مشاكلنا بالاضمحلال تلقائياً, كل ما يجب علينا .. فقط أن نبدأ

 

* تدوينة قديمة نشرتها بتاريخ ٢ / ٩ / ١٤٣٢ هـ