كيوم عادي من أيام السنة, المشهد المتكرر ذاته لكل يوم, ابنتاه اللتان تنزلان لمدرستهما وسباقهما لباب المدرسة, التفاتة الصغرى منهما وتلويحها بيدها مودعة إياه في مشهد طفولي رائع وبريء, ابتسامته التي يبادلها إياها بكل صباح .. تلك الابتسامة التي تخفي بداخلها حزناً يعتريه, وهموماً بعمله تكاد تغرقه فيها
لم ينتشله شيء من تلك الهموم منذ فترة طويلة, لم ينتشله شيء منها كتلك المكالمة التي فاجأته لتخبره باحتراق مدرسةٍ ما بالجوار .. أو بالأصح ؛ لتخبره باحتراق المدرسة التي تابع ابنتاه تدخلان إليها صبيحة ذلك اليوم
لن يستطيع وصف الأفكار التي تتصادم في مخيلته عن لحظة وصوله
أصابه الجنون بالفعل ؛ قاد سيارته بسرعة جنونية ليصل للمدرسة
أصابه الجنون بالفعل ؛ فحتى السيارات وزحامها لم يمنعانه من الوصول للمدرسة, فترك سيارته للزحام وصار يجري بكل سرعةٍ تطيقها قدماه
أصابه الجنون بالفعل ؛ فقد استلزم تدخل الكثير ليعدلوه عن قراره بالدخول للمدرسة التي تأكلها النار
انهارت مشاعره .. خسر حياته لفترة .. فسقط على ركبيته يبكي بضعف
—
تخيلوا الفرحة التي غمرته وهو يحتضن ابنتيه, تخيلوا الدموع والقبلات, تخيلوه يتلمس وجهيهما بشيء من عدم التصديق
تخيلوا ذلك المشهد الذي يسألنا بغضب عمن فجع هذا بابنتيه ؟
تخيلوا المشهد الذي يسألنا بامتنان عمن رسم له ابتسامته
تخيلوا بنات المدرسة وقد أضحوا أمهاتاً تنتشر في بناتهن اسمي : ريم وغدير
لقد أصبحنا اليوم على أسطورتين سطرتا اسميهما بحروف من المجد, أصبحنا على قدوتين تستحقان منا كل الاحترام والتقدير .. فحري بنا افتخارنا بالمعلمتين اللتان كانتا حقاً معلمتين في ذلك المشهد البطولي.
—
* تدوينة قديمة نشرتها بتاريخ ٢٥ ذوالحجة ١٤٣٢هـ .. تعقيباً على خبر احتراق مدرسة ابتدائية للبنات بمدينة جدة، وأعيد نشرها في الذكرى الأولى للحادثة.