معزوفة الأبدية

قياسي


كزهرةٍ ذابلة بين عشبتين ووسط حجر، رسم الندم على وجهها شحوبًا فاتنًا، وكتب على عنقها طأطأة وانحناءة للظهر، لما أيقظها بنَداه من حلمٍ تتذكر فيه فرصة الخلود !


كل حضارات الأرض تُولد في قلب امرأة، بين الفناء والخلود قُبلة، وكلمات تشبه “أحبكِ”. لذلك تلألأت أضواء مدينتكِ، بجنونها وصخبها وأعينها التي ترفض استسلامات الناعسين. كل أرصفة الشوارع تضحك باسمك، ولم تختلط أنجم سمائها إلا قصد ابتسامة شفتيك وأمنية، ومن صدرك نفحة أمل.

وعلى أوراق أديبٍ يخط بقهوته المُرّة كلمات، كلماتي تنهيدات، للطيور سماؤها، وللأعين دمعاتها، وأنا لي قلمي والذكريات. إلى أين الهروب منكِ، وأنا أرسمكِ في كل مكان وأرى من خلالك ؟ كيف الحياة في غيرك، قد صرتِ لي وطنًا ولكل أمنياتي ؟ من بين يديك وُلدت مرة أخرى، وبكِ أعدت تعريف العالم من جديد.

بين أسطر روايتي أجدكِ منبعًا للفضيلة، والبشر فوق خشبة كوكبهم يحاكونك. تحت ألوان لوحاتي أخفيت عن العالمين أنك إكسير الأنوثة، وابتسمت بحبثٍ وأنانيةٍ لمّا تناقلوا أقاصيصًا يسمعونها عنك. وكتبت عند مداخل عواصم الشرقيين اسمي واسمك، وأسررت لورقات الشجر أن الليل أنا، وأنكِ كل معانيه ؛ في ظلامي أنت القمر الخفيف، والنجوم اللامعة أيضًا على كحلي وحول عينيّ، وما نسمة العاشقين عند النهر إلا ضحكة منكِ.

لم تنطق موسيقى أوتاري لغيركِ، ولم تختلط أوراقي بفرشاتي إلا لكِ، أحببت منكِ كل شيء، وعشقت بعينيك كل ما حولك. قرأت الأشعار باحثًا عنك، ونظمت قوافيها لأخلق جملة تليق بكِ. وأسررتك بين جنبيّ أسطورة شرقية، وحكاية حبي الأول، وعشقي الأخير.


إعلاني إياكِ حبًا يغدو مُلِحًا في غربتي عنكِ، جبانًا تحت ناظريك، لوامًا عند الفراق. كم أكره تلك الكلمات التي لم أقلها وتفهمها عينيكِ، كما أكره تلك اللحظات التي تبرد فيها حنجرتي ويجمد صوتي عند كلمة “أحبكِ أنتِ”.

بيني وبينك كلمة هيامٍ أولى، ومشاعرٌ -كلما هممت ببوح بها- تتشيطن هواجسي وشكوكي باحتمالية رفضٍ منكِ، أو تجهّم يكتسبه وجهك ولو لحظة بسببي.

بين خطوة تبعدني عنكِ، وأخريات تفصلني عن قطارٍ صائحٍ مؤذنًا بالرحيل، دفعتني هواجسي لأن أسوق الخطوات الثقيلات والتي أخذتني بدورها بعيدًا عنكِ، وحبست ألف ألف آهٍ ودمعة من انفجار قريب، وتصنعتُ بكذبٍ ابتسامة. صباح كهذا كان جدًيرا بي وبك، بنظرتي الممتنة لكِ، وابتسامتك المطمئنة لي، وكلمتي العريقة التي أخطها بكل أناقة بين عينيكِ، أني أحبكِ.

في صدري -اليوم- تتساقط أوراق الماضي والحاضر، لا حياة لمستقبل لا يختلط بمستقبلك. في قلبي أسوارٌ بغدادية تتهاوى، ودمشق الشامية تحترق بكل بساتينها، كل أغاني الحجاز سكتت، وحضارات مصر العظيمة تتفجر لومًا وحسرة، واستعطافًا للقدَر أن يرسم لنا لقاءً بصباح لا يهترئ، لقاء أهدي فيه للأقدار ابتسامة، وأرسم بيني وبينك سعادة.


أقلامي تموت منتحرة الواحدة تلو الأخرى، كنت أريد تأليف عبارة حب تليق بكِ.

أوتاري تتفتت كلما لحّنت لها أغنية تطمئن عينيكِ في طول انتظارهما.

حتى فرشاتي فقدت لمستها الفنية، لمًا أردت رسم لوحة تخبركِ أنكِ عندي كل شيء.

سألتك بالذي أودع في أسرار الجمال كاملة، أن هزي غصن الزمان، علها تُساقِط علينا لحظات وِصال، يُولد من رحمها ملاك وأديب. فلأقاصيص العرب خلود تستشفه من ضحكة شفتيكِ وابتسامة رضى من عينيّ، تخطهما اعترافات عاشقين.

صديقان، فسيري بقربي نكتب للعالم حبًا وحياة.

عشيقان، كلما سَهِر القمر، وغنى العود بكلمات الغزل.

أرِيديني في عسليتيكِ، ودليني طريقًا يأخذني من عدمي هذا إلى الخلود، علميني كلمة حب، تأخذني إلى الأبدية معكِ.

ردة فعل

قياسي

 

“في الدول الشمولية يكون التدين أقوى، وفي الدول الحرة يكون الدين أقوى” ~ د.محمد مختار الشنقيطي

يُطلق عادة كصطلح (الدولة الشمولية) على الدول والمجتمعات التي تسير ناحية توحيد أفكار ومبادئ الجميع بكل تفاصيلها، طريقة الدين، أسلوب الحياة، وكل شيء بالعموم. سواءً أكان هذا التوجه شعبيًا يسعى إلى محاربة الأفراد المختلفين، أو توجهًا من الدولة والحكومة تجاه الشعب، وعادة لا تختلف توجهات الشعب وحكومته، فيكون لكليهما توجه محاربة المختلفين عن النسق العام. المهم ؛ بأن الدول الشمولية مستبدة في فرض أسلوب الحياة على الجميع، وتسعى لأن تشكل نمطًا عامًا لا يختلف عنه أحد. وقد تبدو أحيانًا بمظهر متسامح قليلًا سامحة ببعض الاختلافات البسيطة، إلا أنها لا تتخلى عن كثير من التفاصيل.
مشكلتي الكبرى -شخصيًا- مع فرض أسلوب حياة معين على الآخرين تنطلق من ناحيتين أساسيتين ؛ الأولى في أن تعاقد الفرد الأولي مع الدولة كعقد سياسي أو مع بقية الشعب كعقد اجتماعي لم يكن بداية ونهاية قائم على فكرة أبدًا، وإنما على مبدأ بسيط وهو الحماية المحسوسة للمتلكات (كتبت هذه الفكرة بشكل أكبر في تدوينة سابقة تحت عنوان : الدولة. المقدسات، والشعب). أما المشكلة الثانية فتختص بالمعنى، فالحياة في ظل المبادئ المفروضة تحول هذه المبادئ إلى عادات، وتسلخ عنها المعنى يومًا بعد يوم حتى تصبح كل الحياة وتفاصيلها بعيدة تمامًا عن الوضع الذي يستحمله بشري، مما يخلق ردة فعل قوية وحقيقية من قبل أولئك الصادقين مع أنفسهم.
هذا الصدق في ردة الفعل يكون مزيجًا من العاطفة والعقلانية. الشيء الذي يجعلها غالبًا غير منطقية، وليست كاملة في حريتها أيضًا وبعدها عن المبادئ المفروضة بداية. وبالرغم من أنني أرى ردات الفعل هذه صحية بالمجمل، فإنني أراه عرضة للرد على الدولة الشمولية بنفس مبادئها وتفكيرها، كثير من ردات الفعل هذه تبدو وكأنها مجرد الرأي المخالف للسائد وللماضي، وإن تحررت من هذه العقدة فإن موضوع اهتمامها وعمودها الفقري يكون مرسومًا فوق جثة المبادئ الماضية، فتصبح الفكرة الأساسية الجديدة في نفس موضوع الفكرة الأساسية الماضية، والمبادئ الأساسية في كلا الفكرتين متشاركتين في الموضوع وإن اختلفت في الماهية.
عندما استفحلت الرأسمالية التي عاملت الرجل كأنه آلة، وعاملت المرأة وكأنها جسد مجرد، ثار بعض الصادقون وقامت الحركات الأصولية، والتي تطالب بالرجوع إلى نصوص تاريخية، دينية كانت أو فكرية، واجترارها إلى الحاضر. ووقعت تلك الحركات الأصولية في خطأ كونها ردة فعل، فحررت الرجل والمرأة من النظام الرأسمالي، ولكن تفكيرها في الرجل ما زال يجعله في دور الآلة، ويجعل المرأة في دور الجسد المجرد.
أعتقد بأننا نحتاج إلى انفصال تام عن أفكارنا الماضية إن أردنا خلق أفكار جديدة، نحتاج إلى فترة هدوء نسترجع فيها عقولنا من الأفكار الشمولية، نحتاج إلى خلق فكر جديد، وليس مجرد أفكار قائمة على ذات الفكر القديم. نحتاج إلى عقل هادئ يقرر مبادئه الأساسية وأفكاره الرئيسة وتشعباتها بعيدًا عن الفكر الماضي، وإن استخدم بعض الأفكار.

خاطرة مبعثرة (٠٧) ؛ عرِّف بنفسك

قياسي
قرأت مرة كلمة للدكتور فيليب ماكجرو يقول فيها بأنه يستغرب من تعريف الناس لأنفسهم بوظائفهم، ويعتقد بأن هذا يدل على عدم معرفتهم بأنفسهم. يقول بأن الكل يذكر وظيفته مباشرة تمامًا بعد ذكره لاسمه، وكأن وظائفنا المجتمعية أضحت جزءًا مهمًا لا يتجزأ من ذواتنا.
فعليًا ؛ فكرت كثيرًا في تعريفي لنفسي، وكلمة الدكتور ماكجرو السابق ذكرها جعلتني أتجنب تعريف نفسي بأنني طالب هندسة صناعية، وأحيانًا عدم ذكر ذلك. وبحكم أنني لا أعتقد بأنه من اللائق تعريفنا أنفسنا بما لم يكن لنا فيه اختيار، كالعرق واللون والحالة الاجتماعية، فقناعتي هذه زادت بأن جعلتني أتجنب أيضًا مزيدًا من تفاصيل حياتي الشخصية في تعريفي لنفسي.
أذكر بأنني في قراءتي لرواية خوزيه ساراماغو (قصة حصار لشبونة) بأنه قال بلسان الشخصية الرئيسية أنه يكره أن يناديه الناس باسمه الأخير، لأنه لا يعني له الكثير، وإنما اسمه الأول هو الذي يمثله وينطق بلسانه غالبًا. وأعتقد بأن فكرته أعجبتني لدرجة أصبحت مقلقة لتعريفي نفسي، فقد سلبت مني حتى اسمي الأخير الذي لا أعرف عنه وعن تفاصيله وتاريخه الكثير، ولم أهتم به كثيرًا أصلًا.
في أحد المرات كنت أتحدث مع أحد الأصدقاء عن عجز الكلمة في وصفها للمشاعر والمعنى، فأجابني بأن كلامي يبدو غريبًا خاصة وأنه ناتج عن “كاتب”. في يومٍ آخر وجدت أحدهم يقدمني لآخر بأنني “مدوّن وكاتب مقالات”. وقبل أيامٍ استوقفني شخص عرفّني بأنني “أديب مستقبلي” وصديق آخر قام بتعريفي متهكمًا مرة بأنني “أديب يتنكر بشكل مفكر”. كل هذه التعريفات وإن بدت قريبة مني للحظة فإنها تبدو ظالمة أوقات كثيرة، لا لعدم اقتناعي بما أفعل، وإنما لأنني لا أعتقد بجواز تعريف الآخرين بحسب أعمالهم، فأعمالنا وأفكارنا هي مجرد لحظات تابعة لفترتها الزمنية قد لا تمثلنا في تاريخ آخر، وقد لا تبدو حتى منطقية بالشكل الذي فهمناه للآخرين الذين لم يعرفوا كامل التفاصيل، فضلًا عن أفعالنا اليومية وأفكارنا قد تختلف بشكل جذري في ليلة وضحاها.
لا أعرف فعليًا ماذا تبقى لنا لنعرّف أنفسنا، ولكن يبدو لي بأنني سأطالب الجميع بعدم تعريفهم لي، وعدم سؤالي عن تعريفي لنفسي. وحتى أصل إلى جواب مقنع أعتقد بأنني سأعرف نفسي كل لحظة بتعريف مختلف، تنقشه أفكاري ومزاجاتي اللحظية .. مالم أنسل من مطالبة تعريف نفسي للآخرين.

الرسومات الكرتونية

قياسي

قد يبدو هذا الموضوع لطيفًا بعض الشيء لدى كثير من الناس الذي يفضلون التعامل مع الرسومات الكرتونية بشيء من الطيبة، وقد يبدو كريهًا عند الذين يعتبرون الرسومات الكرتونية -خاصة منتوجات ديزني- مؤامرة على البلاد العربية والشرقية. في هذه التدوينة سأعرض فكرتي الخاصة عن الرسومات الكرتونية بشكل عام، ومنتوجات ديزني بشكل خاص، بحكم أنها الأكثر انتشارًا ونجاحًا في عالم الرسومات الكرتونية، كما أنها أكثر الرسومات احترافية. سأعتمد في تحليلي على عدد من المنتجات وهي ؛ الأسد الملك، الجميلة والوحش، سنووايت، الأميرة النائمة، سندريلا، بينوكيو، علاء الدين، حكاية لعبة، السيارات، ومولان. أعتقد بأن هذه أشهر أفلام ديزني بجوار “ميكي ماوس” وأصدقاؤه والذين سأفضل تجاهلهم اليوم.
المفصل الأساسي والفكرة المتكررة بشكل أكبر في الرسومات الكرتونية عند (ديزني) هي البحث عن الذات، أو تحقيق الذات بتعبير أكثر دقة، وهو أحد الأسئلة المهمة التي يتأخر طرحها على الطفل العربي، في “فيلم “الأسد الملك” يُطرح هذا السؤال في حوار الشخصية الرئيسية (سيمبا) مع خيال والدها ومع القرد (رفيكي)، وفي فيلم “مولان” يتكرر هذا الحوار طريقة أكثر وضوحًا، عندما تقف الشخصية الرئيسية (مولان) أمام خيالها على البركة معبرة بأغنية بأنها لا تستطيع أن تتخلى عن نفسها وعن أمانيها وأفكارها في مقابل القبول المجتمعي. وفي كل الرسومات الكرتونية نجد الفكرة ذاتها تتكرر بأكثر من طريقة.
نقطة أخرى تتكرر كثيرًا في الرسومات الكرتونية تكمن حول الأخلاق في التعامل مع الآخرين، الغيرة كخلق سيء كانت محورًا للعديد من الرسومات الكرتونية، “حكاية لعبة” مثلًا عندما يغار راعي البقر (وودي) من اللعبة الجديدة الممثلة في رائد الفضاء (بز يطير). أو في “السيارات” عندما يتعامل (برق بنزين) مع الآخرين بشيء من الغرور والاحتقار لما يرى في نفسه من موهبة، حتى يتعلم بأن الموهبة وحدها لا تكفي، وإنما تحتاج للتدريب المستمر، والتعامل مع الخصم باحترام. حتى (سيمبا) في “الأسد الملك” كان مغرورًا بشكل مزعج عندما كان صغيرًا، وذلك ما كلفه الكثير وجعله يتجاهل ذاته. وفي “الجميلة والوحش” وفي “الأميرة والضفدع” كان السبب في معاقبة الأمير وتحويله إلى وحش أو إلى ضفدع هو غروره واحتقاره للآخرين.
دائمًا ما يكون في القصص هدفًا تريد الشخصية الرئيسية، وغالبًا ما تجدها تبتعد عنه كثيرًا بطيشها أو بمؤامرة من الأشرار، ومن ثم تتدخل قوى سحرية طيبة لمساعدته بعدما يصيبه اليأس. في الحقيقة ؛ السحر واللامعقول يتكرر كثيرًا في الرسومات الكرتونية، سواءً أكانت قوى سحرية طيبة أو شريرة متمثلة في السحر الأسود. بشيء من الأمل والإيمان ترسل هذه الرسومات الكرتونية لأطفال رسالة بعدم الاستسلام والسعي لتحقيق الأهداف مهما كانت، وبأن ما لا نتخيله أو يخطر على بالنا قد يساعدنا في الوصول إلى أهدافنا. الساحرة التي ساعدت (سندريلا) في الوصول إلى الأمير قبل منتصف الليل، والأخرى التي جعلت (بينوكيو) اللعبة الخشبية تتحرك وتتكلم، التنين الذي ساعد (مولان) لحماية  الصين وتشريف اسم عائلتها، والكثير من القصص. وعلى الصعيد الآخر فإن السحر الأسود يتكرر بكثرة أيضًا في الرسومات الكرتونية ؛ في التفاحة المسمومة عند (سنووايت)، أو الإبرة المخدرة عند (الأميرة النائمة)، وغيرها الكثير. وفي حضور السحر الأسود والقوى الشريرة العظمى، دائمًا ما يكون الحب هو السبيل الأول للخلاص والتغلب على المصاعب، القبلة التي تنفي السحر الأسود، أو تعاون غير مفهوم بين الشخصيات للتغلب على الشرير الذي يصعب التغلب عليه ..إلخ. وأحد أهم المبادئ التي تطرحها الرسومات الكرتونية أيضًا أن كل شخص مسؤول عن تصرفاته، وأن عليه تحمل عاقبة اختياراته، (بينوكيو) الذي يتألم كثيرًا في السيرك، أو (وودي) و(بز يطير) وهما يواجهان خطورة الغربة عن منزل (آندي)، (مولان) وهي تواجه خطورة تشويه سمعة العائلة .. إلخ.
الجانب المفضل بالنسبة لي في كل الرسومات الكرتونية يكمن في فكرة أن الشخصيات الرئيسية لا تتصرف بطريقة غير مقبولة حتى لو تصرف البقية بأكثر الطرق وحشية وإجرامًا. وقد تخسر الشخصية الأولى وقد يربح الأشرار، إلا أن الخير دائمًا ما ينتصر نهاية، ويكسب الحرب. كثيرًا ما يكون القتل غائبًا في القصص، خاصة من جانب الشخصيات التي تمثل الطيبة. فالشخصيات هذه تبدو عادة مثالية بعض الشيء في تعاملها مع أعدائها، فهي تسامح وتصفح لأبعد درجة. بل وكثيرًا ما تمد يدها إلى الشخصيات الشريرة وتقدم لها الفرصة الجديدة للحياة والطريق الجديد. فقد تموت الشخصية الشريرة بأن تسقط من على جُرف عالٍ، كما حصل في قصة “سنووايت” و”الجميلة والوحش” و”الأسد الملك” بجزئيه. وقد يقوم الشخصية الشريرة إلى وحش مجرم تنتفي عنه كل صفات الرحمة أو الجمال، وفي هذه الحالة قد يتم قتله كما حصل في قصة “الأميرة النائمة” التي تحولت فيها الشخصية الشريرة إلى تنين أسود مرعب يقضي عليها ذاك الأمير الشاب. كل ذلك حتى لا يتقبل الطفل فكرة القتل أو سفك الدماء مهما كان.
لنتكلم عن “علاء الدين” وقصته لمزيد من التوضيح ؛ (علاء الدين) هو شاب فقير يسرق كل ما لا يمكنه الحصول عليه بطريقة شرعية، ويربطه القدر مع الأميرة (ياسمين) في لقاء غريب لا تجره إلا الصدفة، الأميرة التي بورها كانت ترفض كل من يتقدم إليها طالبًا يدها، لأن الجميع كانوا يستعرضون أموالهم وجاههم، بينما هي ترفض الارتباط بشخص لا تحبه لشخصه. (جعفر) الشخصية الشريرة في القصة كان مستشارًا للملك، الذي قرر الفوز بيد الأميرة (ياسمين) عن طريق امتلاك القوة المتمثلة في قوة جني المصباح. في النهاية ترتبط الأميرة (ياسمين) بالفقير (علاء الدين) الذي تحبه، يتم القضاء على (جعفر) عن طريق تحويله إلى جني يتم حبسه في المصباح. فضلًا عن بعد القصص الجانبية، كتخلي (علاء الدين) عن أمنيته الأخيرة في سبيل منح الجني الأزرق حريته، والوفاء بوعده الذي أعطاه للجني قديمًا. فحقق (علاء الدين) نفسه بإيجاده الحب الذي يريده، ويعطيه شخصيته الطيبة التي تساعد الآخرين، وانتهت القصة على هذه الخاتمة.
لن أقول بأن هذه الرسومات الكرتونية خير كلها، وإنما سأبدأ نقدي بمقولة (مالك بن نبي) التي يصف فيها تأثير الثقافة على حكم الإنسان على الحياة. يضرب مالك بن نبي مثلًا بمسرحية رومنسية يقتل الحبيب فيها نفسها لأجل محبوبه، يقول (مالك بن نبي) بأن الإنسان الغربي يرى مشهدًا كهذا بمنظور جمالي بحت، فيبكي له متأثرًا، مصفقًا لمثل هذه التضحية معظمًا. بينما ينظر العربي إلى المشهد السابق بمنظور أخلاقي، فتراه يشمئز من الانتحار، ويراه مؤسفًا وغياب للأخلاق وغير مفهوم.
كل هذه الرسومات الكرتونية التي تحدثت عنها سابقًا مكتوبة بقلم غربي خاضع للعولمة، من الطبيعي أن لا تلائم أولئك الذين لا يتقبلون العولمة ولا الثقافة الغربية التي يتم تعميمها. وهذا هو الجانب السلبي فيها كما أعتقد، لن أقول بأنه متعمد، بل سأقول بأن الطفل الغربي هو المقصود بمثل هذه القصص. تختلف الرسومات الكرتونية الشرقية -مثلًا- عن طريقة العرض أو الأفكار الرئيسية والمحورية بشكل كبير، وحتى في طريقة الرسم والقصة والحوارات المتضمنة، لأنهم يصنعون رسومات كرتونية موجهة إلى أطفالهم. ويبقى بذلك للأمم التي لا تهتم بأطفالها مهمة رشق الآخرين بالاتهام، والشعور الدائم بالمؤامرة وشيء من الكبر والزيف المتفاخر.