ردة فعل

قياسي

 

“في الدول الشمولية يكون التدين أقوى، وفي الدول الحرة يكون الدين أقوى” ~ د.محمد مختار الشنقيطي

يُطلق عادة كصطلح (الدولة الشمولية) على الدول والمجتمعات التي تسير ناحية توحيد أفكار ومبادئ الجميع بكل تفاصيلها، طريقة الدين، أسلوب الحياة، وكل شيء بالعموم. سواءً أكان هذا التوجه شعبيًا يسعى إلى محاربة الأفراد المختلفين، أو توجهًا من الدولة والحكومة تجاه الشعب، وعادة لا تختلف توجهات الشعب وحكومته، فيكون لكليهما توجه محاربة المختلفين عن النسق العام. المهم ؛ بأن الدول الشمولية مستبدة في فرض أسلوب الحياة على الجميع، وتسعى لأن تشكل نمطًا عامًا لا يختلف عنه أحد. وقد تبدو أحيانًا بمظهر متسامح قليلًا سامحة ببعض الاختلافات البسيطة، إلا أنها لا تتخلى عن كثير من التفاصيل.
مشكلتي الكبرى -شخصيًا- مع فرض أسلوب حياة معين على الآخرين تنطلق من ناحيتين أساسيتين ؛ الأولى في أن تعاقد الفرد الأولي مع الدولة كعقد سياسي أو مع بقية الشعب كعقد اجتماعي لم يكن بداية ونهاية قائم على فكرة أبدًا، وإنما على مبدأ بسيط وهو الحماية المحسوسة للمتلكات (كتبت هذه الفكرة بشكل أكبر في تدوينة سابقة تحت عنوان : الدولة. المقدسات، والشعب). أما المشكلة الثانية فتختص بالمعنى، فالحياة في ظل المبادئ المفروضة تحول هذه المبادئ إلى عادات، وتسلخ عنها المعنى يومًا بعد يوم حتى تصبح كل الحياة وتفاصيلها بعيدة تمامًا عن الوضع الذي يستحمله بشري، مما يخلق ردة فعل قوية وحقيقية من قبل أولئك الصادقين مع أنفسهم.
هذا الصدق في ردة الفعل يكون مزيجًا من العاطفة والعقلانية. الشيء الذي يجعلها غالبًا غير منطقية، وليست كاملة في حريتها أيضًا وبعدها عن المبادئ المفروضة بداية. وبالرغم من أنني أرى ردات الفعل هذه صحية بالمجمل، فإنني أراه عرضة للرد على الدولة الشمولية بنفس مبادئها وتفكيرها، كثير من ردات الفعل هذه تبدو وكأنها مجرد الرأي المخالف للسائد وللماضي، وإن تحررت من هذه العقدة فإن موضوع اهتمامها وعمودها الفقري يكون مرسومًا فوق جثة المبادئ الماضية، فتصبح الفكرة الأساسية الجديدة في نفس موضوع الفكرة الأساسية الماضية، والمبادئ الأساسية في كلا الفكرتين متشاركتين في الموضوع وإن اختلفت في الماهية.
عندما استفحلت الرأسمالية التي عاملت الرجل كأنه آلة، وعاملت المرأة وكأنها جسد مجرد، ثار بعض الصادقون وقامت الحركات الأصولية، والتي تطالب بالرجوع إلى نصوص تاريخية، دينية كانت أو فكرية، واجترارها إلى الحاضر. ووقعت تلك الحركات الأصولية في خطأ كونها ردة فعل، فحررت الرجل والمرأة من النظام الرأسمالي، ولكن تفكيرها في الرجل ما زال يجعله في دور الآلة، ويجعل المرأة في دور الجسد المجرد.
أعتقد بأننا نحتاج إلى انفصال تام عن أفكارنا الماضية إن أردنا خلق أفكار جديدة، نحتاج إلى فترة هدوء نسترجع فيها عقولنا من الأفكار الشمولية، نحتاج إلى خلق فكر جديد، وليس مجرد أفكار قائمة على ذات الفكر القديم. نحتاج إلى عقل هادئ يقرر مبادئه الأساسية وأفكاره الرئيسة وتشعباتها بعيدًا عن الفكر الماضي، وإن استخدم بعض الأفكار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *