كما جئت العالم وحدك أول مرة، ستمضي وحيدًا.
لا ظلال من السماء تؤويك إن غضبت الشمس. إن هو إلا مسيرُ طير السنونو وحده، والرِّيح تحمل أوراق الياسمين. فاحم رأسك بيديك، أو احمها بظهرك، فأنت تستحدث وطنًا لك وحدك.
كما جئت العالم وحدك أول مرة، ستمضي وحيدًا.
لا تدبرُ الغربة عن بشرٍ، إن لامسته بادئ الأمر. فمتى استيطنت، مسخَت فؤاده مرتعها، يستلذذ دمَ الخيبة خمرًا.
لا القُبلة تشابه الأخرى، ولا أسىً يناسخ ذاته، لا يتكرر الحريق، ولا الانفجار.
فاحتضن غربتك متى أقبلت، وقبّلها كما قبّلتها أول القصيدة، وإن كان لشفاهها مذاق دمعِك ودمِك. واقتطِع بين القوافي لها عبارة، لا تحبس الأنفاس عن موعد الذبول.
ماذا نقول؟ وللقلب المكفهرِّ الكهول؟
فانتظرها متى غفَت، وغنِّ لها بين جموع المتناسين. لكل الأمنيات في سواها خيبة ترقبٍ وأُفول.
وانتظرها، وإن تنكرّت للمغنى والقافية. وانتظرها، تتبع كل فرحة بميعادٍ للوصول.
ماذا نقول؟ والأغنيات شحيحات في الحقول؟
سيكبُر حزنك يا صديقي، أعوامًا، أعوام،
ستنعي خطاك الشجر أوراقًا، أوراق،
وتبقى حزينًا، لا قلبٌ يواسيك.
وتبقى وحيدًا، لا كفٌّ يُسلِيك.
فآلِف حزنك، ودلل نَسلك اليتيم.
كما جئت العالم وحدك أول مرة، سأمضي وحيدًا.
لم يزل قلبي يسمعكِ، حنينًا، أنينًا، وشكوى.
لم يزل الدمع يلتهفكِ، خطىً متلهفةً للنجوى.
ما زال اسمكِ مَبهجًا، ورِمشكِ مقصدًا، وأمنية بأن في عينيكِ كل ما يستحق الحياة.