أنا والكتاب (٠٣) ؛ الطريقة

قياسي

يقول الأديب العربي توفيق الحكيم : “الوسيلة الأولى للترغيب في القراءة هي استثارة الفضول الشخصي”*.

شخصيًا ؛ أجد نفسي منسجمًا مع المقولة السابقة وموافقًا لها، وأعتقد بأنني سأقول على غرارها بأن أقوى دوافع المعرفة بالعموم أو القراءة بالخصوص تكمن في البحث عن الأسئلة التي تستثيرنا، وطالما أن بشريتنا تفرض علينا إدراكًا وعلمًا قاصرين، فإن الأسئلة الصحيحة لن تقودنا إلى طريق مغلق، والإجابة الصحيحة ستحتوي عدة أسئلة جديدة كما أتخيل .. وسنبقى لذلك في صراع متواصل وسفر دائم بين الأسئلة والأجوبة.

في طريقك إلى المعرفة، اختر طريقتك التي تناسبك، اختر الطريق الذي يناسبك أنت بعيدًا عن أي من الضغوطات المجتمعية. ابحث عن طريقة تناسب ماهيتك أنت، فأنت المعني بهذه الأسئلة والأجوبة في النهاية.

وفي حديث أعمق قليلًا عن القراءة والكتب، أستطيع تصنيف الكتب إلى صنفين ؛ الروايات والكتب العلمية، وستكون بقية الكتب عبارة عن مزيج بين الاثنين، أو خليط ما ولكل كتاب خلطته المختلفة عن البقية. أعتقد بأن الكتب العلمية هي ما يكون نتاجًا للتجربة وللمختبرات، أفكارها ثابتة غالب الوقت، ويصعب تغييرها أو تبديلها. أما الروايات فهي تجربة بشرية بالكامل، عبارة عن مادة خليقة الخيال، يفشل العقل في محاكمتها غالبًا، فتقوم العاطفة بمحاكمتها على قدر ملامستها لذواتنا ودواخلنا. الرواية نتيجة تجربة إنسانية وفق بيئة معينة، تضيف مع صفحاتها إلى أعمارنا أعمارًا لم يقدر لنا معايشة بيئتها وطريقتها في الحياة. الفارق الأساسي بين الكتب العلمية والروايات كما أعتقد، هو أن الكتب العلمية تنطلق من الكليات إلى التفاصيل، بينما تنعكس الطريقة في الروايات لتبدأ من التفاصيل إلى الصورة المجملة، وأحيانًا تترك لك تشكيل الصورة المجملة وفق خلفيتك العقلية.

لهذا أعتقد بأنه يخطئ تمامًا من يعتقد بأن الروايات كتب لا فائدة منها !! **

اختر طريقتك المثلى في القراءة، طريقتك التي تناسبك أنت. أحد الأصدقاء يستخدم قلمي تحديد (Highlighter) في قراءته، أحدهما لموافقة الكاتب والآخر لمعارضته. صديق آخر يستخدم قلمًا واحدًا يناقش فيه الكاتب على حواشي الصفحات. أحد الأصدقاء يفضل استخدام الخرائط الذهنية في تلخيص الكتب التي قرأها، بينما يستعيض آخر بمقالات تلخيص للكتب .. الطرق كثيرة في الاستفادة من الكتاب، فقط جد طريقك، أسلوبك، وأسئلتك التي تقرأ لأجلها.

نقطة أخيرة ؛ وفق نظرتي للكتاب بأنه أحد الطرق إلى المعرفة، أستطيع القول بأن أهم من قراءة الكتاب هو فهمه، لا تقرأ كتابًا لست مولعًا به، ولن يضيف إلى حياتك شيئًآ. قرأت مرة لعلي عزت بيچوڤيتش مقولة يقول فيها، بأنه أهم من قراءة الكتاب أن تتفكر بمحتواه، وتترك عقلك ليهضمه ويفكك محتوياته، ويذوب فيها. مقولة أخرى لتوفيق الحكيم يقول فيها : “لقد تحقق لي أني لا أصلح بطبعي للتقدم إلى أي امتحان، ذلك أن الامتحان يريد مني عكس ما أريد أنا من القراءة. إني أقرأ لأهضم ما قرأت، أي أحلل مواد قراءتي إلى عناصر تنساب في كياني الواعي، أما الامتحان فيريد مني أن أحتفظ له بهذه المواد صلبة مفروزة”.


(*) اقتباس من رواية (الرباط المقدس) لتوفيق الحكيم.

(**) سأقترح ثلاثة روايات عربية لمن بحث عن فكرة جديدة عن الروايات ؛ الحب في المنفى لبهاء طاهر، عصفور من الشرق لتوفيق الحكيم، وفي سبيل التاج لمصطفى لطفي المنفلوطي. ،هذا طرح لأستاذي الدكتور مصطفى الحسن عن القراءة، أجده مفيد للغاية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *