بغير ما فيه

قياسي

تدوينة نشرتها يوماً ما بمدونة “الشباب يتحدث

مشاهد كثيرة تشربناها صغاراً ؛ مشهد الأب الذي يشقى كثيراً ليرسم لابنته سعادة تزدان على شفاهها, أو مشهد الطفل وارتماءته في حضن أمه التي ملأت دنياه حناناً بابتسامتها وتربيتتها على كتفيه.

كثيرة هي القصص التي روتها لنا الرسوم المتحركة, وكثيرة هي اللحظات السعيدة للأسَر الرائعة التي رسمتها في مخيلاتنا ؛ الطفل الذي يحركه اشتياقه ليبحث عن أمه ودفء حضنها, والقسوة التي يحياها في بعده عنها, وفرحتها ودموعها لحظات اللقاء .. والكثير من المشاهد الأخرى التي تحكي لنا عن سعادة الأسر وعن اللحظات الرائعة التي تكون في لقاءاتهم, وعن الفرحة والابتسامة التي دائماً ما يرونها في أعين بعضهم.

صحيح بأننا استمتعنا قديماً بهذه الرسوم وبمشاهداتها, لا أنسى تسمُّرنا أمام الشاشات متابعين لها, حتى أن أحاديثنا وقتها لم تكن بالغالبية في غير ما نشاهد. لكنها في نفس الوقت صنعت بدواخلنا صراعاً داخلياً بين المثالية التي رسمتها وبين الواقع الذي نعيش ؛ وبقراءة سريعة لحال الأسرة بيننا نجد فيهاً تهميشاً لبعضها بداخلها, غالباً ما يكون الأب هو المسيِّر لهذه الأسرة, وعلى البقية الطاعة والانقياد للقرارات والأوامر, وحتى لو عارض أحدهم قرار لم يستسغه فغالباً ما يكبت رغبته واعتقاده, راضياً بالواقع في سبيل شيء من الأمن وبعضاً من الماديات.

وفي الكثير من الأيام التي نعيشها نجد استعلاءً لكل فرد على من يصغره سناً, وانعداماً للحوار بين أركان الأسرة العربية والكثير من التعاملات التي نجدها في أسرنا, وفي محيطنا الخارجي عند خروجنا !

يقول مالك بن نبي بما يسمى نظرية قابلية الاستعمار : “ليس ينجو شعب من الاستعمار وأجناده, إلا إذا نجت نفسه من أن تتسع لذل مستعمر, وتخلصت من تلك الروح التي تؤهله للاستعمار”.

وبتوسيع دائرة النظرية السابقة ؛ أستطيع القول بأنه : لا ينجو شعب من أن يسيّر بغير فكرته وقناعته, إلا إذا نجت نفسه من أن تتسع لأن تحكم بفكرة مخالفة, وتخلصت من أن تؤهله للانقياد بصمت. (وأستطيع القول بأننا بدأنا في تخلصنا من تلك الروح الخبيثة)
يقول مالك بن نبي في جهة أخرى : “الحكومة مهما كانت ماهي إلا آلة اجتماعية تتغير تبعاً للوسط الذي تعيش فيه وتتنوع معه, فإذا كان الوسط نظيفاً حراً فما تستطيع الحكومة أن تواجهه بما ليس فيه”.
ولهذا أقول بأننا في ربيعنا العربي بدأنا بالتخلص من تلك الروح. وأقول لكل من ثار وانتصر بأن تكون أسرته انعكاساً للمفاهيم التي رجا تغييرها, حتى لا تشهد الأرض ذات الاستبداد القديم تحركه وجوه جديدة .. وكما قال آينشتاين : “لايمكنك حل المشكلة بنفس العقلية التي اختلقتها”.
ولهذا أقول لكل راجٍ للتغيير بأن يكون جزءاً من ذلك التغيير, لنبدأ بأنفسنا وفي أسرنا ؛ لنتعامل مع واقعنا بحكمة, ولننشر تلك القيم والمعاني التي نرجوها بيننا, فلنعدل في تعاملاتنا مع بعضنا, ولنترك لبعضنا حرية اختيار الأفكار والقناعات, ولنتعامل مع بعضنا بحب واحترام, ولنجعل لكل شخص مكانته الراقية كإنسان, وليكن قرار الأسرة قرارٌ لكل من فيها .. بغير استثناء !
في النهاية ؛ ما المجتمع غير منظومة كبيرة تتراص فيها الأسر مكونة له, ولا يكون للأسرة معناها بغير من فيها بلا استثناء, وما الأسرة الواحدة الآن إلا عدة أسر مستقبلية.
غيّر ما لا ترضى بتغييرك لما في نفسك, واكتب في كل مكان بأنه لا يُحكم شعب بغير ما فيه.

حساب مدونة (الشباب يتحدث) على تويتر @ShbabTalk

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *