تجسيد الفكرة

قياسي

مالك بن نبي : “أما في الماضي فقد كانت البطولات تتمثل في جرأة فرد، لا في ثورة شعب، وفي قوة رجل، لا في تكاثف مجتمع، فلم تكن حوادثها تاريخًا، بل قصصًا ممتعة، ولم تكن صيحاتها صيحات شعب بأكمله”.
أحد الأفكار التي أعتقد بأننا نؤمن بها، حتى وإن كانت بشكل لا ندركه ولا نعيه، هي فكرة البطل الواحد.
تميل فكرة البطل الواحد على تجسيد الفضيلة بشكل كامل على شكل شخص واحد، وتحميله فوق طاقته واستيعابه البشري المذبذب بين الصواب والخطأ. تجد ميلًا عامًا لأن يكون يحلل العالم الفيزيائي الوضع السياسي، وأن يتكلم رجل الدين في الاقتصاد والفلسفة والمشاكل الدولية، وأن يكتب طبيب الأسنان عن التاريخ، وغيرها من التداخلات في المجالات والاهتمامات، وأحيانًا تكون هذه التداخلات بسبب مطالبات شعبية، أو بسبب هذه الفكرة الدفينة في الآمل بمنصب البطل ذاك. الفكرة موجودة في الجميع وبشكل كبير.
أعتقد بأن هذه الفكرة موجودة في الكثير إذا لم أقل عند الجميع، ففكرة البطل هي انعكاس لطلب التبسيط والترميز الذي يُطالب به الجميع. وبشكل غريب ؛ فنحن نرفض بأن نجعل الثورة المصرية مثلًا ثورة شعب، بل نبحث عن شخص يعكسها ويكون لها رمزًا، بداية من وائل غنيم، نهاية بالرئيس الأخير محمد مرسي والذي يُسوّق له وكأن سقوطه سقوط للثورة. والكثير من الحركات الكبرى والتغييرات الضخمة التي تُحمل وكأنها لم تكن حرمة شعب كامل، أو فكرة ضخمة تشربها الكثير.
المزعج في الموضوع، أن يجد المرء في نفسه الجرأة والثقة التي تخوله لأن يتكلم وكأنه رمز، أو أن يتنقل بين التخصصات المواضيع وبكل جرأة وكبرياء.
المشكلة الأساسية بالنسبة لي تكمن في انتقال المعنى من الفكرة إلى الرمز، كأن ينتقل الدين من المفاهيم الأساسية إلى رجال الدين، أو تنتقل الفضيلة من مبادئها وأفكارها الأساسية إلى أن تتحول إلى الرمز الذي يتحول تشريعًا ومصدرًا للخير والشر فيما بعد. فيتحول من مجرد بشري إلى بشري مقدس، أخطاؤه يتجاوز عنها، وأفكاره مسلمات مهما كانت وكيفما جاءت.
وأعتقد بأن هذا ما نراه اليوم منتشرًا في خطابات ونداءات الكثير، أن يتكلم باسم الله والفضيلة، وأن يرمي البقية بالشر وكل الخصال الخبيثة. كتجسيد العالم للشر في الإرهاب المتمثل في تنظيم القاعدة، وتجسيد الحرب في الطرف الآخر في الحرب العالمية الثانية، الشيء الذي جعل القنبلة الذرية تقوم باسم إنهاء الحرب ومن واجب إنساني، باختصار ؛ كانت الجنود تعتقد بأن انتصارها سيفضي إلى نهاية مفهوم الحرب من المستقبل. وبقدر استيائنا من استخدام الآخرين لهذه الفكرة ضدنا، بقدر ما نستخدمها ضد غيرنا.
فضلًا عن التشويه الذي يحصل لكثير من الأفكار لمجرد أن ناشرها أخطأ بأحد الأيام، أو لأن فيه خصلة غير حميدة. وكثير ما خسرنا أفكارًا قوية وجريئة لمجرد أننا لا نتقف مع صاحبها في كثير من المواضيع.
سأختم تدوينتي بقولة حفظتها قديمًا عن الدكتور يوسف القرضاوي عندما يقول : فلنعرف الرجال بالحق، ولا نعرف الحق بالرجال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *