دخل اللص إلى المتجر شاهراً سلاحه, مهدداً الجميع مختبئاً خلف قناعه ..
ننتقل إلى اللحظة التي استقرت فيها رصاصة في جمجمة أحد الشبان هناك, ودمعات الطفل الذي يهز الجثة آملاً بالمستحيل, صوته المشبع بالبكاء منادياً : أرجوك, أخي !
كان الخوف منتشراً في كل جسدها وهي تختبئ أسفل النافذة, شعرت بجسدها الذي وهن حتى أحست بقوة نبضات قلبها, أغمضت عينيها بقوة وأخفت رأسها بحِجر والدتها التي بدورها ظلت تربت على رأسها بحنية, متمتمة ببعض الكلمات المطمئِنة ..
كل شيء كان سريعاً في حدوثه بعد ذلك ؛ الجندي الذي كسر الباب بقدمه, زميلاه الذان عاثا في البيت بلا مبالاة, الكلمات العبرية غير المفهومة, يد الأم التي تدلت بضعف فجأة .. توقف كل شيء في عينيها في هذه اللحظة, لم يتحرك في الكون غير الدمعة المتساقطة, ورأسها الذي تحرك بعفوية رافضاً الاقتناع بالمشهد الأخير !
من حسن الحظ بأن المشاعر لا يمكن كتابتها أو وصفها بأي شكل آخر, مشاعر الكره للرجل المسرف هناك, أو مشاعر الخوف من المستقبل, أو الحزن على فراقه لأبيه .. أبوه الذي كان يظنه الأقوى في الأرض, الرجل صاحب الجثة المتيبسة هناك منذ أيام, صاحب البشرة الداكنة الذي قضت عليه أحد مجاعات إفريقيا القاتلة !
كل الجرائم الإنسانية في العالم ليست مجرد أرقام كما نتداولها, كل رقم منها يخفي خلفه الكثير في نظر أحدهم على الأقل ؛ خلف كل رقم دمعة طفل, وانهيار أم, والكثير من المشاعر الزرقاء. وراء كل رقم هناك الكثير من الآلام والمعاني .. أرجو ألا نفرغه منها ..!
مقالة قديمة كتبتها بتاريخ 27 شعبان 1432هـ