كان قارئاً نهماً بشكل جنوني, لم أصدق عيناً تراه يتنقل بين صفحات الكتب ملتهماً حروف أسطرها بسرعة, كجائعٍ فُجع بكثير غذاء.
كدت أصف بالكذب أذنان تسمعانه يتكلم بتبحر واطلاع شديدين يثيران الإعجاب.
حاورته لفترة, تفكرت قليلاً .. نثرت إعجابي في الهواء لتتلاعب به نسماته, بعدما اصطدمت بحقيقة كون اطلاعه الكبير منحصراً في التقسيمات والتشعبات والتفاصيل بدلاً من فهم الفكرة الأساس لما يتحدث به ..!
شخصياً ؛ أشعر بألم شديد عند اصطدامي بأحد العارفين عن غيره أكثر من معرفته بنفسه وبأفكاره, أو من يبتدئ اطلاعه ببعض الفروع والأقسام قبل استيعابه للفكرة الرئيسة.
أتألم عندما أرى الغالبية غير متقبلة للاختلافات, ناظرةً إليها وكأنها شيطان يحرق كل ما حولنا, بدلاً من أن تكون رحمة نتراشقها بيننا. زارعين بذلك شعوراً بالكراهية نرمي به الحياة ومن يحياها.
أرى غالبيتنا متيقظين لرمي أي مغرد خارج السرب بأنواع التهم والتعميمات القاتلة, وقتلنا فينا وبأنفسنا ملامح الفكرة الأم التي اتجمعنا بسببها, ولم نرَ الدنيا سوى قوالبٍ فكرية نرمي كل إنسان منا في قالبٍ على الأقل.
لم نراها بالعموم أكثر من قوالبٍ فكرية تنتظر امتلاءها بالأسماء والعقول ..!
أعتقد بأننا يجب أن نخفي تشعباتنا لفترة في صدورنا, حتى يظهر للفكرة الأم جمالها ورونقها أو أياً من الملامح الأخرى, حتى نرى حقيقة الأفكار التي نؤمن بها بدلاً من اكتفائنا بالتقاط الفتات من هنا وهناك.
لنفهم حقيقة كون الاختلاف ليس ذوباناً في غيرنا أبدأ, هو مجرد تجمع في مساحة تجمعنا سوياً باختلاف أشكالنا.