أريد مكتبة عامة

قياسي

ارتبطت المكتبات العامة في مخيلتي ببعض التفاصيل الصغيرة، التي خلفتها بمخيلتي بعض الأفلام والمقاطع المرئية، أو الروايات والقصص القصيرة ؛ أمين المكتبة وهو ينادي صبيًا أن صهٍ، الشاب الذي يقتله الفضول لدخول القسم المحرم عليه بالمكتبة، صوت ارتضام إحدى المجلدات بالطاولة من بعيد، أو الهدوء الذي يقتله انتهاء أحدهم من صفحة بكتاب، شابة هناك تتلهف لعلم معين، فيقترح عليها أمين المكتبة بعض العناوين بشيء من الأبوية والفخر والأمل وانتظار الكثير منها.

أعترف بأن تجاربي -بالعموم- مع المكتبات العامة يمكن وسمها بالفشل ؛ منظر أمين المكتبة الذي وضع أطعمته على أحد الكتب، تاركًا لها مهمة تلويث الكتاب، أو آخر وجدته لا يتقن القراءة أو الكتابة، مما يحطم أملي فيه بأن أجده أمين المكتبة الذي أناقش معه فحوى بعض الكتب فأفاضي بينها، أو بعض الكتب التي تطوع أحدهم بالكتابة عليها ليسطر آراءه واختلافاته مع المؤلف، فضلًا عن الكتب متشابكة الأوراق، والتي تشير بذلك إلى أن محاولتي لقراءتها كانت الأولى في تاريخها.

ولا زلت آمل بأن أطأ بقدمي تلك المكتبة العامة التي أنشدها ؛ يسودها الصمت احترامًا لتلك الكتب ومحتواها، واحترامًا لكل القراء وعقلياتهم التي جعلتهم يختارون الهرب من ضوضائية المدينة المزعجة إلى سواد الكتب وهدوئها. تفوح بأرجاء تلك المكتبة رائحة هادئة، تدعوك لأن تطور من نفسك، لأن تتعلم، وتعمل على تغيير شيء ما للأفضل. مكتبة يدين لها كثير من مثقفي عصرها بثقافتهم، يتابعون انكباب فتيانهم وفتياتهم على كتبها، فيخفف ذلك عنهم بعض مخاوفهم عن المستقبل، يبتسمون بدفءٍ، ويغمضون أعينهم ويتخيلون تلك الأوجه من المكتبة في المستقبل، فيسطرون لهم اهداءً على كتاب أو آخر. تنتشر على ملامح القراء معالم الدهشة ؛ لتحطم ثوابت أحدهم، أو تعلم آخر لشيء جديد، واكتشاف أخير بأنه قضى سنوات من عمره يدافع عن فكرة خاطئة.

لكل إنسان في هذه الأرض مهربه من تزاحم الأيام ؛ فيهرب الرياضي إلى ملعبه بين الحينة والأخرى، ويهرب الناسك إلى صومعته، وصاحب كل اهتمام إلى من يشاركونه اهتمامه .. وأنا أريد مكتبة عامة ؛ ألقى في طيات كتبها نفسي، وإيماني، وروحي الضائعة ..!

رأيان حول “أريد مكتبة عامة

  1. غيداء

    إذا عثرت عليها…دلني !
    رغم شغفي بالكتب..فقد بدأ شغف ابنائي الذي يسرني؛ يتحول لقلق بسبب العبء المادي لشراء الكتب، دون وجود بديل عادل في الأستعارة و الإرجاع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *