لم يصدق وصوله لتلك اللحظة المرتقبة, اللحظة التي أعلنت نهاية فترة عمله لليوم, فجمع أوراقه بسرعة من مكتبه واضعاً إياها في حقيبته اليدوية بعشوائية, بدا واضحاً عليه استعجاله الشديد ورغبته الملحة لبلوغه منزله, حتى أنه لم يلتقط تلكما القلمان اللذان سقطا عن مكتبه, وتركهما يتابعان انصرافه ونظرته الأخيرة على مكتبه, وإغلاقه للباب من خلفه معلناً بذلك تركه لكل ما يتعلق بعمله خلف ذلك الباب, وبات شعور الوصول إلى منزله هو رغبته الوحيدة لذاك الوقت, فلم يشغل ذهنه بغير ارتماءته في حضن زوجته التي يحب, وتلك الضحكة البريئة التي تستقبله بها ابنته كل يوم فور دخوله للمنزل الدافئ.
ارتسمت على ثغره ابتسامة عكستها تخيلاته للحظة اللقاء ودخوله للمنزل, وظل يفكر في أكثر من كيفية يتم بها استقباله, وبأكثر من طريقة يدخل بها للمنزل يرسم بها الابتسامة.
توقف بسيارته لفترة عند إشارة مرورية, منتظراً إياها لتسمح له بتجازوها, وسرح هو بتفكيره في عالمه الجميل. أخرجه منه صوت دوّى بالمكان لصرير سيارة أصرت على التوقف قبل ذاك الاصطدام القوي بسيارة أخرى, التي حاول سائقها ترويضها والسيطرة على الموقف .. وانتهى كل شيء, وتوقفت الحياة, فقد اصطدمت إحدى السيارات بسيارة الأول معلنة النهاية ببساطة ..! *
لن أتكلم كثيراً عن انتظار صغيرته غير المنتهي, أو عدم تقبلها واستيعابها لحقيقة رحيل والدها الذي اعتاد على مداعبتها كلما رآها. لن أصف الكثير من تلك اللحظة التي سقط فيها الهاتف من يد زوجته فور تلقيها الخبر المفجع, أو انهيارها على ركبتيها وحزنها الذي ملأ دنياها سواداً. أو عن بكاء أمه وجزعها بطريقة لم يعهدها عليها إنسان .. وسأكتفي بإخبراكم بأننا في بلادنا العربية نملك أكبر معدل وفاة في الحوادث المرورية على مستوى العالم ككل, بمعدل 49 وفاة لكل 100 ألف من السكان, والرقم في تزايد مستمر وللأسف !!
أنا أؤمن شخصياً بأن تقدم الأمم وتأخرها مقرون بشكل كبير باحترامها للإنسان وبتقديرها لحياته, وأرى لذلك بأن حوادث السير من المعضلات التي تتوجب التحرك لحلها بأي وسيلة كانت, حتى ولو كانت تعني استغناءنا عن استخدام السيارات مثلاً أو استبدالنا لها بأي وسيلة مواصلات أخرى.
“بوفاتك سأفقد عقلي , فأرجوك .. خذ حذرك بشكل دائم“
هي كلمات قالتها لي أمي مرة, بعدما خرجت سليماً من أحد الحوادث الشنيعة, ولا أخفيكم تأثير هذه الكلمات في نفسي, حتى يخيل إليّ أوقات بأنني صرت أخاف ركوب السيارات. لا أخفيكم بأن هذه الكلمات كتبت في نفسي بألا أستهن بعواطف من أحب وإن هانت عليّ حياتي, وألا أستخفف بأرواح من حولي عندما أقود سيارتي في شوارع المدينة.
– – –
* القصة حقيقية الحدوث على أرض الواقع !
“بوفاتك سأفقد عقلي , فأرجوك .. خذ حذرك بشكل دائم“
جزاك الله ألف خير أخي على هذه الكلمات الرائعة
أرجوكم .. لاتحرموا أمهاتكم ومحبيكم من وجودكم
لك ودي وتقديري
س ع ر ب#م
اتوقع الرقم ارتفع من ٤٩ ..
—-
[ … “بوفاتك سأفقد عقلي , فأرجوك .. خذ حذرك بشكل دائم“
هي كلمات قالتها لي أمي مرة ]
فضلاً ..
أبلغ والدتك السلام والتحية والشكر والامتنان .