قبل مدة من الزمن ؛ كتب أحد مثقفي الأراضي السعودية : “#لو_اختفى_تويتر فسيصير المثقف مهمًا من جديد”.
شخصيًا ؛ استغربت هذه الكلمات من صاحبها، والتي لا أحسبها غريبة على مجتمعنا، خصوصًا بعد انتشار الكثير من الشتائم التي تصل إلى نفس المعنى*. وأنا هنا أرد على هذه الفكرة بالعموم، وعلى صاحبها، دون الانتقاص منه أو من شخصه.
للشبكات الاجتماعية بالعموم هدفين -برأيي- ؛ التواصل والانتشار. فهي تصلنا بأناس أبعدتنا عنهم الأيام، وبآخرين لم نكن نعرفهم قبل، وفي نفس الوقت أجدها وسيلة قوية لتسويق الأفكار والمشاريع، فهي مساحة لا تعترف بالحدود والمعوقات أبدًا .. وهذا سر هو سر قوتها، وهو ما يجعل للمؤسسات الربحية وغير الربحية تواجدًا فيها، وما دفع لأصحاب الفكر والدين والسياسة أيضًا للتواجد فيه هم الآخرين.
أحيانًا لا يقدر صاحب رأي ما -رغم إيمانه الشديد بأفكاره ورغم تسفيهه لما هو دونها- على نشر أفكاره ومقترحاته في التغيير، لافتقاره للطريقة التي تصله بالعامة (وما يسمى بافتقار تسويقي). مثلها مثل مهارة الخطابة والإلقاء والتي تعتبر من مجالات التسويق على المنصات والمسارح، فلا أتصور أن فقدان مهارة الإلقاء أو رفعها إلى السماء سيعيدان لأصحاب رأي مكانتهم المرموقة المنشودة. وهذا يعني أيضًا على الكفة الأخرى بأن كثيرًا ممن نعتبرهم أصحاب آراء مخربة أو سخيفة سيجدون رواجًا لأفكارهم، فهذه قدرتهم التسويقية تصنع معجزاتها.
أتذكر بأحد الأيام أن أحدهم أخبرني بأن “العربة الفارغة هي الأكثر ضجيجًا، وكذلك هم السخيفين. أما أصحاب الرأي والهمة فيعملون بصمت يجعلون أفعالهم ردودهم”. أتذكر بأنني أسررت ضحكة، وغمغمت “أهكذا تبررون عجزكم عن إيصال أفكاركم؟”، وأتذكر بأني أجبت صديقي بأن سائق العربة قد يقلل ذاك الضجيج إن هو لم يستعجل وصوله. كلمته بعدها بأن الضجيج لا يعني أبدًا سخافة الرأي، بل يعكس شدة الإيمان به، وقد يعني مناسبته للعامة بشكل أساسي، وأخبرته بأنني لا أعرف دويًا في التاريخ مثل الذي صنعه الأنبياء في أقوامهم، وهذا لا يعني إلا شدة إيمانهم، وقدرتهم التسويقية.
(*) : رويبضة مثلًا، والكثير من الكلمات التي تصل بذات المعنى.