أكتب كي لا تضيع ملامحي،
أو تتيه الذكرى من مجرى الحنين،
ولِما كنته قبل أن يبتدئ كل هذا.
لتكن سبيلًا إلى بعض حقيقةٍ،
أو صرخة أخيرة على هذا الزمان.
وليكن الذي شيّدها من حطام إعصارٍ،
سيرةً نتضاحكها أول النهار.
ولتكن الجماهير الغفيرة،
زبَدًا، لا يفتقده أحد.
فما شأني أنا؟
بموتٍ نشزْتُ عنه بصوتي الأول.
وما شأني أنا؟
بمسرحيةٍ تناستني كلمةً كلمة.
أنا عبارةٌ بليغةٌ في جملة مبتذلة، أنا.
غربةٌ سطّرها الوجود كيفما جاءت، أنا.
ورقةٌ تدني الشجرة ولا تُساقط، أنا.
والقصيدة إذا استحال الوطن.
لا أطلب من المرآة ما يُشبهني،
ولا أسأل الناي أن يبدِّل ألحانه.
أنا، آهةٌ تذبل في فؤادِك، ولا تُسمع.
أنا، عبارةٌ تحشرجت في موضعها من الرواية، ولا تُتبع.
أنا، للأغنية تتسلل إلى يومك، مصادفةً، ولا تُسأل.
إناءٌ مكسورٌ، لوردةٍ قُتلت في التاريخ مرتين.
صفحةٌ مهترئة لكتابٍ احترق في مجمله مرتين.
وما بقي في المنفى، يروي عمّا كان من وقع الحكاية.
أكتبُ مقاومةً، منطقي الشخصيّ للوجود.
أكتبُ ماءً، يحفظ درب الرجوع.
وما كنته في الرُّحب فينقًا،
قبل أن يناديني القدر.
أكتب لأنني أريدني حاضرًا،
وحيًا ما استطعت،
إذا ما مات كل شيء.
فما شأني أنا؟
بما ينهب الأحلام هنا.
كل شيءٍ ينهش الروح هنا.
أقاومه نثرًا وشعرًا، وأغنية.
عمَّا تاه في البيداء على مسمّى السكينة،
وعن تآكل الملح في جباهنا على اسم الفضيلة،
وما نسيَه العدم مما أردنا للحياة أن تكون.
ولا شأن لي أنا!
ألفٌ، كما أساير الأيام؛
بعض أُلفٍ، وأُنسٍ،
واحتمالًا مستعصٍ على التأويل.
حاءٌ، حيرة المنسيِّ لا يستنطق الأجوبة،
أو حلمٌ بلا وجهٍ، ولا يخنِق المعنى.
ميمٌ، مما يكون، مسكنًا، مغنىً،
ومهبطًا لإيمانٍ، ومرسىً.
دالُ، الدالِ، والمدلول ناقص التكوين،
والدرب مختزلًا مقاصد القصيدة.
حين تعتاد الرحيل مرة،
تتماثل كل الأمكنة،
وتميل كلما مالت رياح،
وتفقد بكاء المرحلة.
حين ترتاد الموت مرة،
تتماثل كل الأزمنة؛
زيفٌ يساومك التبسّم، فيبتسم.
دربٌ يقصّ عن عابريه، لتعبره.
كل الأوجه منسيّة في ذواتها،
كلّ منسيِّ لا يواجه ذاته.
ولا نبضَ يُسمع في المدينة.
نحن ما نحن عليه،
جيلُ قربانٍ للمقصلة.
نحن ما نحن عليه الآن،
قتلى، لِتُردم أغنية.
كلما سارت على الخطى خطىً،
جدّ سِبر المقبرة.
نحن الآن ما نحن عليه.
ولي حرية النظم والترتيل،
وحقٌّ في الفضاء، وحقّي من الإكليل.
ولي حريتي، لأخلق المعجم من جديد.
ولي حريتي، لأُلين الحروف كما أريد.
ولي انتحاري، وبعثي، وعبثي؛
لا موت في موتٍ يظلِّك من بعيد،
لا قتل في قتلٍ يوصمك بالحديد.
فكل شيءٍ هنا ينهش الحكاية.