لا يغرنك تراقصي كالنيران الشرقية، فضربات الأقدام الغزالية لا تخص الطروبين.
لا تكترث لهدوئي أو لثبات خطواتي، فهي ليست إلا قشرة لإعصار شكوك لا يرحم.
لا تبتسم ولا تترنم لألحان ضحكاتي، فلكل ضحكة ثمنها من الأحزان.
لا تثق بانتصارك على بؤسي إذا ما أشركتني فرحتك، كل ما في الأمر أنني لا أطيق أن أكسرك، فكذبت بابتسامة.
أنا على أوراقي إله، أخلق الكلمات بصفتي أديبًا، وأتلاعب بالحياة لأنني أعرف شيئًا عن الفلسفة. ولكني في حقيقتي لا أطيق كل هذا ؛ أنا مطالب بأن أحافظ على نقاوتي من كل كراهية، بأن أعود من وسط الوحل نظيفًا أبيض الملابس، بأن أكون ربانيًا بين أناس يحاصرون ربهم في محراب صغير، بأن أكون سماويًا في مجتمع يتاجر مع سمائه .. هذا ضد بشريتي، لا يمكن أن يكون، ليس حقيقيًا.
سمعت مع أولى خطوات حياتي رجلًا ينادي : “الجهل وطن، والوعي منفى”*، ظننته يعنيني بادئ الأمر، لكني هززت كتفي ومشيت، اغتررت بنفسي، ودخلت إلى منفاي بإرادتي .. حتى ضاعت خطوتي مني.
كل الطرقات هنا عبودية، كل المصابيح هنا ظلام، كل المشاعل سراب، لا حقيقة هنا إلا عيناي المختبئة بين كفاي، بكائي الطفولي، صارخًا بألم التيه في مملكة الخيال هذه، والنور المتراقص شامتًا، بأنه حتى الآلهة هنا تبكي، المزيفون منهم فقط.
وبين كل غيوم سمائي، لامست كتفي يدها الملائكية، بدت حقيقية هي الأخرى، صادقة وهي تهمس ببطء أن ارسم طريقك الذي لا يتيه، قاطعت كلماتها صارخًا كفاكِ أملًا، كل الأمل كذبة عند أولى اختباراته. أمسكت يميني، وربتت على كتفي بتفهم، وأكملت همساتها الهادئة ؛ بشريّ أن تتيه، محتوم عليك أن تموت، لكنك لن تموت بلا تضحيات، فاختر بين إنسانيتك وبشريتك، مستحيل هو خلودك، صعب أن تحيى من رمادك، سهل جدًا أن تموت، محتوم عليك أن تموت غريبًا، عن نفسك أو عن غيرك، اختر بأي جنون ستعيش، ولا تنسى بأنك سليل الحقيقة الوحيدة، وبأنني طريقك إليك، أنا نورك في المسير، أنا خليقة دموعك.
—
(*) إميل سيوران