خاطرة مبعثرة (٠٥) ؛ أنا قلبي دليلي

قياسي

“أنا قلبي دليلي قال لي هتحبي”

ليت لي مثل ذاك القلب ليلى، يخبرني عن طريقي المتعطر حبًا، أو يحكي لي شيئًا من حكايات الأمل الكاذب، فيتركني غارقًا في انتظار لا أعرف له نهاية .. لكنني لا أجد إلا الخوف ؛ خوفٌ على مصيري من ذبول العواطف، وأن أُترك فيه عاجزًا عن ترديد صرختك العصفورية من تغنياتك بالحب، خوفٌ من الظلمة المستمتعة بمتابعتي متخبطًا بغير هدىً، كاتمة ضحكتها الساخرة على تيهي وضياعي.

أظن بأن خوفي هذا يدفعني للتهرب منه، مصبدًا نفسي ببحثي عن المعاني في كل لحظات حياتي، مرددًا على نفسي بأن الحب سماوي، لا أرتضي له إلا أن يكون أسلوبًا لي في حياتي .. وأتمنى بيأس أنني لا أختلق شيئًا من ذلك، لأداري رهبتي وخوفي.

أجدني أمام طريق لا أعرف أين يسير بي، أهو طريق أسير فيه وحيدًا بأبدية، أم أن تيهي هذا سيصلني بطريق أحدهم يومًا ما ؟ لا أعرف، فأنا لا أميز صوتًا ولا نورًا يدلاني على الوجهة أو المسير. حتى هذه الوجوه التي اعتدت تكررها في حياتي، لم أعد أتعرف عليها، ولا أستطعم نكهتها في يومي.

حتى الحب عندي صار مشرئبًا بالأحزان، بالخوف، والألم .. خوف من وقوعي أسيرًا تحت رحمة حب لا يعرف الرحمة، ولا احترامًا لتلك الأصفاد، فيتركني معلقًا على جداره، أتابعه يغيب عن ناظري. أو أن يسرقني حبٌ لا يعترف بأيٍ من المعاني، فيفرض علي رتباته المملة، كاسرًا بذلك ما أؤمن به من سماوية الحب وأبديته، فأجده باردًا لا دفء فيه. أخاف أن يمتص مني حياتي، ويتركني أتابع تلك الحيوات التي تتابع مسيرها من حولي، وأنا واهن أنتظره لقودني إلى النهاية التي اختارها.

مؤلم ألا يجد حبك لصوته مردودًا، ولا لكلماته معقبًا، ولا يجد في نظرته إلا من يتحاشونه .. باستمرار. تغمرك أحيانًا فرحة أنانية بوصلك بمن تحب، وتردد الجدران صرخات الألم أحيانًا أخرى. وفي لحظة يأس تحاول أن تمتنع، وتعهد بذلك، وتلم أشياءك نحو العزلة، وتغمغم ببعض الكذبات في طريقك، ناعتًا نفسك بالسخافة باستمرار.

أخبرني أحدهم مرة بأن أجرب حبًا، وبأن تلك تجربة كغيرها، دخولها مقامرة انتصارنا فيه محتمل كخسارتنا. قاطعته بعصبية توحي له بعدم تفهمه لخوفي المتغلغل بأعماقي. أستثقل جسدي للحظات فأتركه هاويًا على ركبتيه، وأصرخ أن يا ملائكة الحب والرحمة، أنا أعرفكم بخطاياي وبظلامي المرعب الذي يسكنني، لا أعتقد بأنني جدير بأي حب سماوي، وأجدني أيضًا مترفعًا عما هو دونه. فلا أجد جوابًا لصرخاتي، بشيء من التفهم.

تستحق تلك الابتسامة من هو أطهر مني وأنقى، لا أريد لخطاياي مداهمة تلك العينين، كما تغتال من حولي كل ما هو جميل، متابعة إياي في خطواتي، متلذذة بالخوف التي يمتص روحي، وأنا أتأمل الجثث المتساقطة .. أتهاوى .. وأردد بسخط أو بيأس ؛ “خايف مرة أحب وعارف ليه أنا قلبي خايف” .. فأتراءى ابتسامة العندليب الحزينة، وأتخيل تربيتته على كتفي، وهمسته بأنه يتفهمني أكثر يا ليلى.

رأي واحد حول “خاطرة مبعثرة (٠٥) ؛ أنا قلبي دليلي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *