الفطرة

قياسي

 

كثيرًا ما تتردد على مسامعنا كلمة “الفطرة”، وهو ما يعني الأخلاق والخصال التي نُجبل عليها بداية وبادئ الأمر. كثيرًا ما تتردد هذه الكلمة على مسامعنا وكأنها أمرًا مقدسًا يجب أن يكون عليه كل الناس، وكأن خلق البشري كان بداية على الصورة الأقوم له، ولكن الدنيا ومشاغلها وهمومها شكلته على الشر بعد ذلك يومًا بعد يوم.

شخصيًا ؛ أعتقد بأن الفطرة البشرية تحتمل الخير والشر على حد سواء، فعلى سبيل المثال ؛ الصدق قد يعتبره البعض من الفطرة السليمة، بينما تبدو لي النجاة هي الفطرة وليس الصدق، لهذا يميل كثير من المربيين إلى تسويق الصدق وكأنه منجاة أو هكذا كلمات. يعتقد البعض بأن الصدق يقربهم من أنفسهم إلا أنني أعتقد بأن التراكم التاريخي لهم، وأثر المجتمع عليهم هو ما جعلهم يعتقدون بأنه كذلك. كمثال آخر ؛ دعونا نتكلم عن الأنانية مثلًا، والتي يعتبرها العالم بدوره أحد الخصال السيئة، بينما هي حقيقة من طبيعة البشر. دائمًا ما كنت ألاحظ الأطفال وأتابع تصرفاتهم، وأجد أن الأنانية من طباعهم مالم يتم تربيتهم على غيرها، كل البشر يميلون إلى الاستمتاع بالملذات التي حولهم، أو على الاستحواذ على النصيب الأكبر من الغنيمة.

التربية بدورها تبدو لي وكأنها محاولة إخراج البشري من الطبيعة التي بدأ عليها، إلى الخصال التي تضمن له مواكبة مجتمعه وعدم الإضرار بمن حوله. التربية تعني بخلق نسق بين الطفل البشري بخصاله البدائية، وبين المجتمع البشري الذي تم تكوينه بتراكم تاريخي معين. قد تتربى على الانهزامية في مجتمع منهزم، وتصبح في عينيك انهزاميتك حكمة، وقد تتربى على التهور في مجتمع آخر يعلمك بأن تهورك هذا شجاعة تُحمد عليها.

بهكذا تعريف تبدو لي الفضيلة والرذيلة كأنها صنيعة للتراكمات التاريخية البشرية، والتي لا أنكر بأن الدين قد يكون أحد مشكليها، ولكني أعول ذلك إلى التاريخ البشري. وبهكذا تعريف لا أستلزم بأن صفات البشري الأولية كانت هي الصحيحة، وإلا لما احتجنا إلى التربية، لكني قد أقول بأنها مزيج بين الخير والشر، يتم تحديدهما بناء على تجربة الإنسان وتاريخ المجتمعات.

رأي واحد حول “الفطرة

  1. آلاء بن سلمان

    مثير 🙂
    هل هي في الأخلاق ، الأفعال أم الإثنان معًا . ويتضح من بقية التدوينة بأنك تقول بأنها حضورية وليست حصولية .
    إذا كانت حضورية فقط ؛ فلنفترض مثلاً بأن طفل أدرك الحياة بلا إنس فهل ستكون له نفس فطرة من أدركها بين إنس ؟ ، وإن أدرك الحياة وسط حيوانات على سبيل المثال ، ألن يتأملهم ، يحاكيهم ، يكتسب منهم شيئًا يُعد من فطرته أم أن فطرته قابعة في داخله متمركزة بذاتها وهو بها سيكون مختلف عنهم، مدرك لذلك الاختلاف !
    وإن كانت حضورية فلم يسعى المربيين لتسويق الصدق لتغيير الفطرة بناءً على فطرة أخرى ؛ أي أن الفطرة ليست نموذج واحد والعمل على تغييرها ألا يجعل منها حضورية حصولية ؟
    وبقولك أن النجاة وليس الصدق هو الفطرة ، هل يُعد للحيوانات التي تقوم حياتها على مبدأ النجاة فطرة ؟ وإن كان نعم فبماذا تختلف عن فطرة الإنسان ؟
    والأمور التي يقوم بها الأطفال ألا يمكن أن تُفسر بدوافع إنسانية لا علاقة لها بالفطرة ؛ وإن كان تلقن بعض السلوكيات أو الأخلاق وأصبحت جزء من إدراكه أفلا تُعد فطرة ؟
    وفي الحديث : ( مامن مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه … ) ما المقصود هنا بالفطرة ؟!
    وهل الطبائع ساكنة ، وهل هي ترادف للفطرة ؟

    أنا ممن يقولون بأن الفطرة حضورية وحصولية معًا والجزء الأكبر منها في نظري حصولي 🙂

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *