نقطة بين الأديان

قياسي

أحد الأسئلة التي تكررت منذ قديم الزمان، ولم تزل إلى الآن مطروحة بدون جواب تجتمع على صوابيته البشرية كافة، كان عن احتياج الناس للأديان، وهل فعلًا يحتاج العامة لدين يضيف إلى أيامهم صبغته الخاصة ؟ وهل يمكن استبدال الأديان مستقبلًا بدين جديد أو عقيدة جديدة في التفكير ؟

أعتقد بأنه وللإجابة على مثل هذه الأسئلة أن نرجع إلى أن نرد الأمور لأصولها لفترة .. إلى نظرة إلى البداية.

بداية ؛ ومع الإبصار الأول للإنسان إلى الكون من حوله، وبداية وعيه لما يحيطه، تبدأ مباشرة ثلاثة أسئلة رئيسية بالتشكل في رأسه ؛ الأول عن نفسه كإنسان، والذي يقوده بالضرورة إلى البدء والنشأة، وبذلك يكون السؤال الثاني، والذي يدور عن الإله، أما السؤال الثالث فهو عن الكون الذي يحيطه، من حيوانات وشجر، وبقية المخلوقات بالعموم.

ومع الثورة المعلوماتية الأخيرة، والتباين والتفرع المتزايدان في العلوم، أجدني مضطرًا إلى تقسيم آخر للأسئلة الثلاثة ؛ القسم الأول إلى الأسئلة القابلة للاختبار والتجربة والتي تضم السؤال الثالث بكامل تفرعاته. أما القسم الثاني فهي تميل إلى الاستنتاج وإلى قفزات منطقية وأخرى إيمانية، وتضم السؤالين الأولين، عن الإله وعن الإنسان.

وبطبيعة الحال ؛ فاهتمام الناس بالأسئلة يختلف من إنسان لآخر، يميل الناس إلى تصديق رجال الدين عادة والفلاسفة أحيانًا، بالنسبة للسؤالين الأولين، وإلى علماء العلوم التطبيقية كما اصطلح على تسميتهم مؤخرًا، بالنسبة للسؤال الثالث والأخير. وفي النهاية ؛ يختلف اهتمام الناس بهذه الأسئلة حسب وعيهم، وتختلف صياغة أجوبتها وتصاعدها في الأهمية بالنسبة إليهم، حسب نظرتهم التي صيغت في حياتهم  .. وبهذا تكون وظيفة رجال الدين والفلاسفة والعلماء التطبيقيين، هي صياغة الرأي العام حول الأسئلة الثلاثة الأم.

فتكون وظيفة الأديان عندي هي الإجابة عن الأسئلة الأساسية، والتي تدور حول الإله والإنسان. وباكتسابها صيغتها الإيمانية والمقدسة، فهي تميل إلى سد السؤالين بأجوبة ثابتة، مما يتيح للعامة متابعة حياتهم الشخصية والعملية، وطريقتهم في إعمار الأرض، لتتناسب مع حاجياتهم والطبيعة من حولهم.

ونتيجة لثورة الشك التي تعصف عالم الفلاسفة، ونتيجة للإيمان وللقفزات الكبرى عند رجال الدين، ولميل العامة إلى الراحة والثوابت أكثر من المتغيرات، أجدهم يتجهون إلى رجال الدين في مثل هذه الأجوبة. لهذا أعتقد بأنه كلما زادت أخطاء رجال الدين وتجاوزاتهم الأخلاقية، كلما تغلغلت الرذيلة في المجتمعات. وأجدني مقتنعًا لهذا بأن رجال الدين هم أول الداعين إلى الله وإلى الإلحاد معًا، وتتحدد انتماءاتهم الدعوية حسب تجرعهم بالفضيلة أو بالرذيلة، وحسب طريقتهم في تقديم الدين، وإلى توافقه مع الناس ومع طبيعتهم البسيطة وفطرتهم السليمة.

شخصيًا ؛ أميل لأن تكون الأديان ربانية في طرحها كما تزعم بأنها ربانية في فكرتها، أريدها متغلفة بالرحمة، بعيدة عن عالم الكراهيات الملعون، أرديها بسيطة في تقديمها، عميقة في فكرتها، فتلامس ببساطتها بساطة العامة، وتكسب بذلك انتشارها، وتلامس بعمقها تصديق الناس وإيمانهم.

* ملاحظة : هذه التدوينة أحد أفكاري في لحظة ما، وقد تتغير كليًا حتى قراءتك لها .. أحد أهدافي من هذه المدونة، كان رصدي للتطورات الفكرية عندي.

رأي واحد حول “نقطة بين الأديان

اترك رداً على إبراهيم إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *