أنفس تحمل السر

قياسي

قبل فترة من الزمن، انتشر كتاب “السر” لروندا بايرن بطريقة ڤيروسية في أنحاء العالم، وحقق أرباحًا عالية جعلت مؤلفته تطرح المفهوم ذاته بأشكال مختلفة، سواءً أكان ذلك بصياغة كتاب السر ككتاب صوتي أو فيديو وثائقي، أو كان بطرح مؤلفات جديدة تعني بهذا المفهوم متمثلة في كتابيها التاليين “القوة” و”السحر”. كل الكتب الثلاثة وانعكاساتها تهتم أولًا وأخيرًا بما يسمى بـ(قانون الجذب)، القائل بأن العالم سيلبي لنا كل احتياجاتنا ورغباتنا شريطة إيماننا بها حد الثمالة.
شخصيًا ؛ أنا لا أعتقد بقانون الجذب على هذه الطريقة التي نشرتها السيدة روندا بايرن، أنا أؤمن بأن عالمنا المحايد يتشبع بكل الفرص والمنح، وكل ما علينا هو رؤيتها واقتناصها فقط، وهذا هو ما يفعله إيماننا الشديد بفكرة ما وتدويرها في أذهاننا على الدوام، يساعدنا على رؤيتها باختصار.
فهو ليس بقانون جذب أصلًا، وتسميته بهذه التسمية خاطئة وتمنحه ماهية ليست له، ففرصنا منتشرة من حولنا بالفعل، ونحن لا نجذبها إلينا، نحن فقط نشعر بها. الموضوع كله يبدو مشابهًا لقصيدة “فلسفة الحياة” للشاعر إيليا أبوماضي، والتي ينهيها بقوله : “كل جميلًا ترى الوجود جميلًا”.
باختصار ؛ أرضنا محايدة لا تنجذب إلى أحد، تمنح فرصها علانية للجميع، تقتنص بعضها ويمر ببعضها أناس لا يعيروها اهتمامًا فتنتهي بدورها .. هذا كل ما في الموضوع.
هل جريتم زيارة بلد ما، امتلأت رؤوسكم بفكرة ما عن أهاليها، لتكتشفوا بالتجربة أن أهاليها مخالفين تمامًا للتصور الذي كان عنهم ؟ أعتقد بأن الذي يعامل الناس باعتقاد لصوصيتهم سينتهي به الحال مسروقًا، والذي يعاملهم باعتقاد ميلهم للرذيلة سيجعله ذلك ملاحظًا لكل ما يدعم قوله .. “كن جميلًا ترى الوجود جميلًا”.
أحيانًا نقرأ كتابًا آملين جوابًا لأحد أسئلتنا، ونجد جوابًا قد يكون خلاف مراد الكاتب، وقد ينال على رضانا ذاك الكاتب والكتاب فقط لأننا وجدنا إجابته مقنعة، وقد يكون نصيبه السخط إن لم نجد جوابنا، حتى وإن كان ذاك الكتاب لا يعني بسؤالنا أصلًا .. هذا ما تفعله انتماءتنا الشديدة لأفكارنا برأيي، والتي قد تنتهي تعديًا على رأي كاتب أو تشويهًا لآخر. وهذا ما تفعله بنا قراءة أفكار الآخرين بمنظور أفكارنا.
“كن جميلًا ترى الوجود جميلًا” ..!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *